(و لا تلتفتوا إلى ناعق نعق) أراد به معاوية أو عمرو بن العاص حيث كان رفع المصاحف بتدبيره (إن اجيب أضلّ) من أجاب (و إن ترك ذلّ) و خاب (و قد كانت هذه الفعلة) و هي الرضا بالحكومة (و قد رأيتكم اعطيتموها) و أقدمتم عليها.
ثمّ أراد رفع
شبهتهم بقوله: (و اللَّه لئن أبيتها ما وجبت علىّ فريضتها و لا حملنى اللَّه
ذنبها و و اللَّه ان جئتها إنّى للمحقّ الذي يتّبع و ان الكتاب لمعى ما فارقته مذ
صحبته) يعني أنّ الحكومة على تقدير امتناعى عنها لم تكن واجبة حتى تجب علىّ
فريضتها أى الأحكام الواجبة بسببها و المترتّبة عليها و ما كنت مذنبا بترك الواجب،
و على تقدير إقدامى عليها لم تكن محرّمة حتى تكونوا باتّباعكم إيّاى في الاقدام
عليها مرتكبين للحرام، فانّى أنا المحقّ الذي أحقّ أن يتّبع و يقتدى، و انّ كتاب
اللَّه سبحانه لمعى لفظا و معنى لا افارقه و لا يفارقني، فلا اقدم على أمر مخالف
للقرآن موجب للعصيان.
فان قلت:
المعلوم من حاله 7 حسبما ظهر من الروايات المتقدّمة في شرح الخطبة
الخامسة و الثلاثين أنه امتنع من الحكومة أولا و حثّ أصحابه على الجهاد و الثبات
عليه، و يدلّ عليه أيضا الكلام الذي نحن بصدد شرحه، ثمّ لما رأى إصرارهم في
الاحابة إلى أهل الشام و البناء على التحكيم رضى 7 به و بنا عليه، فقد
كان الاباء أولا و البناء ثانيا من فعله 7، و كان عالما بذلك، فما معنى
الاتيان بالشرط المنبئ عن الشكّ؟
قلت إنما أتى
بالشرط مع جزمه و علمه به تجاهلا لاقتضاء المقام التجاهل و الابهام، و ذلك لأنّ
أصحابه 7 كانوا فرقتين فرقة ترى التحكيم واجبا، و هم جلّ أصحابه و هم
الذين أشار إليهم في هذا الكلام بقوله: ألم تقولوا عند رفع المصاحف إخواننا و أهل
دعوتنا استقالونا و استراحوا إلى كتاب اللَّه فالرأى القبول منهم و التنفيس عنهم،
و فرقة تراه حراما و الاقدام عليه معصية، و هم الخوارج الذين قالوا لا حكم إلّا
للَّه و لا حكم إلّا اللَّه، فأجمل الكلام و أبهم المرام لاقتضاء المقام، و ساق
المعلوم مساق المجهول اسكاتا للفريقين، فانه لو صرّح بما يوافق رأى إحدى الفرقتين
تبرّئت