الالهيّون معالجون لأسقام القلوب و أمراض
الجهالات و الذنوب، و قد مضى توضيح ذلك في شرح الفصل الأول من الخطبة المأة و
الثامنة.
استعاره
مرشحة (وكلّت النزعة بأشطان الرّكيّ) أى أعيت المستقين من
الآبار بالأشطان و الحبال، و هو من قبيل الاستعارة المرشحة حيث شبّه نفسه بالنازع
من البئر فاستعار له لفظه، ثمّ قرن الاستعارة بما يلايم المستعار منه أعني الأشطان
و الرّكيّ، و الجامع أنّ من يستقى من البئر العميقة لاحياء الموات الوسيعة كما
يكلّ و يعجز عن الاستقاء و يقلّ تأثير استقائه فيها، فكذلك هو 7 استخرج
من علومه الغزيرة لاحياء القلوب الميتة و قلّ تأثير موعظته فيها و عجز عن احيائها،
و قد مرّ في شرح الفصل الأوّل من فصول الخطبة الثالثة تشبيه علومهم :
بالماء و تأويل البئر المعطلة و القصر المشيد بهم، فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى و
البئر علمهم الذى لا ينزف.
ثمّ تأسّف
على السّلف الماضين من رؤساء الدّين كحمزة و جعفر و سلمان و أبي ذر و المقداد و
عمّار و نظرائهم و تحسّر على فقدهم فقال (أين القوم الذين دعوا إلى الاسلام
فقبلوه) بأحسن القبول (و قرءوا القرآن فأحكموه) أى جعلوه
محكما و أذعنوا بكونه من اللَّه و أنّ المورد له رسول اللَّه، و تدبّروا في معانيه
و عملوا بمضامينه و أخذوا تأويله و تنزيله ممّن نزل في بيته.
(و هيجوا
إلى الجهاد فولهوا و له اللّقاح إلى أولادها) أى اشتاقوا إلى
الجهاد اشتياق النّاقة المرضعة إلى أولادها، و على النسخة الثّانية التضمّنة لسقط
لفظ الوله فالمعنى أنهم جعلوا اللّقاح و الهة إلى أولادها لركوبهم اياها عند
خروجهم إلى الجهاد (و سلبوا السّيوف) من (أغمادها) و جفونها أو سلبوا
أغماد السّيوف منها (و أخذوا بأطراف الأرض) أى أخذوا الأرض
بأطرافها و تسلّطوا عليها، أو أخذوا على النّاس أطرافها و حصروهم و ضيّقوا عليهم (زحفا
زحفا و صفّا صفّا) يعنى حالكونهم جيشا بعد جيش و صفّا بعد صفّ (بعض هلك و بعض
نجا) كما أخبر اللَّه تعالى عنهم بقوله: فمنهم من قضى نحبه و منهم من
ينتظر و ما بدّلوا تبديلا.
ثمّ أشار إلى
انقطاع علائقهم من الدّنيا بقوله (لا يبشّرون بالأحياء و لا يعزّون