(في نار
لها كلب و لجب و لهب ساطع) أى لها شدّة و صوت و اشتعال مرتفع (و قصيف
هائل) أى صوت شديد مخوف (لا يظعن مقيمها) بل كلّما أرادوا أن
يخرجوا منها أعيدوا فيها و قيل لهم ذوقوا عذاب النّار الذي كنتم به تكذّبون (و لا
ينادى أسيرها) أى لا يؤخذ عنه الفدية فيخلص كأسراء الدّنيا (و لا تفصهم
كبولها) و قيودها بل هى و ثيقة محكمة (لا مدّة للدّار فتفنى و لا أجل
للقوم فيقضى) بل عذابها أبدىّ سرمديّ.
قال رسول
اللّه 6: يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيذبح
بين الجنّة و النّار، و يقال: يا أهل الجنّة خلود بلا موت، و يا أهل النّار خلود
بلا موت.
فيا أيّها
الغافل عن نفسه المغرور بما هو فيه من شواغل هذه الدّنيا المؤذنة بالزّوال و
الانقضاء، دع التّفكر فيما أنت مرتحل عنه و اصرف الفكر الى موردك و مصيرك و قد
اخبرت بأنّ النار مورد للجميع اذ قيل:
فانت من
الورود على يقين و من النّجاة في شكّ، فاستشعر في قلبك هول ذلك المورد فعساك
تستعدّ للنجاة منه، و تأمّل في حال الخلايق و قد قاسوا من دواهى القيامة ما قاسوا،
فبينما هم في كربها و أهوالها وقوفا ينتظرون حقيقة أنبائها، اذ أحاطت بالمجرمين
ظلمات ذات شعب و أظلّت عليهم نار ذات لهب، و سمعوا لها زفيرا و جرجرة تفصح عن شدّة
الغيظ و الغضب، فعند ذلك أيقن المجرمون بالهلاك و العطب، و جثت الامم على الركب،
حتى اشفق البرآء من سوء المنقلب، و خرج المنادى من الزّبانية قائلا أين فلان بن
فلان المسوّف نفسه في الدّنيا بطول الأمل