و اللّسان
(يردّد طرفه بالنظر في وجوههم) أى مخاطباتهم و (يرى حركات ألسنتهم و لا يسمع رجع كلامهم) أى
ما يتراجعونه من الكلام لبطلان قوّته السّامعة و بقاء قوّته الباصرة بعد.
(ثمّ ازداد
الموت التياطا به) أى التصاقا (فقبض بصره كما قبض سمعه و خرجت الرّوح من جسده) و ظاهر هذا
الكلام بملاحظة ما سبق من قوله: ثمّ ازداد الموت فيهم و لوجا فحيل
بين أحدهم و بين منطقه آه، و ما سبق أيضا من قوله: فلم يزل الموت
يبالغ في جسده حتى خالط لسانه سمعه، يفيد لبطلان آلة النطق في الانسان قبل آلتى
السمع و البصر، ثمّ بطلان آلة البصر و إنّما تبطل مع خروج الرّوح و مفارقتها عن
البدن.
قال الشارح
البحراني: و ليس ذلك مطلقا بل في بعض الناس و أغلب ما يكون ذلك فيمن تعرض الموت
الطبيعي لآلاته و الّا فقد تعرض الآفة لقوّة البصر و آلته قبل آلة السّمع و آلة
النطق، و الذي يلوح من اسباب ذلك أنه لما كان السبب العام القريب للموت هو انطفاء
الحرارة الغريزية عن فناء الرّطوبة الأصلية التي منها خلقنا، و كان فناء تلك
الرطوبة عن عمل الحرارة الغريزية فيها التجفيف و التحليل، و قد تعينها على ذلك
الأسباب الخارجية من الأهوية و استعمال الأدوية المجففة و ساير المجففات، كان كلّ
عضو أيبس من طبيعته و أبرد أسرع إلى البطلان و أسبق إلى الفساد.
إذا عرفت ذلك
فنقول: أما أنّ آلة النطق أسرع فسادا من آلة السمع، فلأنّ آلة النطق مبنيّة على
الأعصاب المحركة و مركبة منها، و آلة السمع من الاعصاب المفيدة للحسّ و اتّفق
الأطباء على أنّ الأعصاب المحرّكة أيبس و أبرد، لكونها منبعثة من مؤخّر الدماغ دون
الأعصاب المفيدة للحسّ، فانّ جلّها منبعث من مقدّم الدّماغ فكان لذلك أقرب إلى
البطلان، و لأنّ النطق أكثر شروطا من السّماع لتوقفه مع الآلة و سلامتها على
الصّوت و سلامة مخارجه و مجارى النفس، و الأكثر شرطا أسرع إلى الفساد.