الخلق كما أنّ هذه الثلاثة كذلك، و رشح
التشبيه الأول بلمعان الضوء، و الثّاني بارتفاع النّور، و الثالث ببروق اللّمع، و
يحتمل أن يكون وجه الشبه في الثالث إثارة أنوار الهداية.
(سيرته
القصد) و الاعتدال (و سنّته الرّشد) و الصواب (و كلامه
الفصل) بين الحقّ و الباطل (و حكمه العدل) خال عن الحرف و
الميل (أرسله على حين فترة من الرّسل) أى على حين سكون و
انقطاع من الرّسل، و قد تقدّم توضيح ذلك في شرح الخطبة الثامنة و الثمانين فتذكر (و هفوة
من العمل) أى زلّة منه (و غباوة من الامم) أى غفلة منها، و ذلك
لأنّ خلوّ الزمان من الرسول موجب لكثرة الزلّات و تزايد الغفلات و فرط الجهالات،
فتخصيص إرساله بذلك الزّمان و تلك الحال إشارة إلى كمال تلك النعمة و عظمة هذه
الموهبة حيث هداهم بوجوده 6 من الضلالة و أنقذهم
بمكانه 6 من الجهالة، هذا.
و لمّا فرغ
من شرح حال الرّسالة عقّبه بالذكرى و الموعظة فقال كنايه (اعملوا رحمكم
اللّه على أعلام بيّنة) أى اعملوا الصّالحات على ما دلّت عليها الأعلام البيّنات
و المنار الواضحات الظّاهرات، و كنّى بها عن أئمة الدّين و مصابيح اليقين فانهم
علامات الهدى في غياهب الدّجى (فالطّريق) أى طريق الشريعة (نهج) واضح (يدعو) و يؤدّى (إلى دار
السّلام و أنتم في دار مستعتب) أى يمكنكم فيها استعتاب الخالق سبحانه و
استرضائه بصالح الأعمال و اصلاح الحال، لأنكم (على مهل و فراغ) أى على
امهال و انظار و فراغ من عوائق الموت.
(و) الحال أنّ (الصّحف) أى صحايف
أعمالكم (منشورة) لم تطو بعد (و الأقلام) اى أقلام
كرام الكاتبين (جارية) لم تجف (و الأبدان صحيحة) و سالمة من الأمراض
المانعة من القيام لوظايف العبودية (و الألسن مطلقه) من الخرس و
الاعتقال (و التوبة مسموعة و الأعمال مقبولة) لانّكم في دار
التكليف يمكنكم فيها تدارك ما فات و الورود على ما هو آت، و أما بعد طيّ الصخف و
جفّ الاقلام و اعتقال اللسان و خروج الأرواح من الأبدان، فلا يمكنكم الاستزادة من
صالح