فانّ مذاكرة الموت و مراقبة الاخرة تكون
شاغلة عن الدّنيا معرضة عن الالتفات إليها و إلى شهواتها من اللّعب و نحوه لكونه و
جلا من اللّه و مترصّدا لهجوم الموت و هو واضح بالمشاهدة و العيان و يشهد عليه
البداهة و الوجدان، و ثانيها راجع إلى عمرو و هو قوله
(و انه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة) فانّ نسيان الآخرة
يوجب صرف الهمة إلى الدّنيا و طول الأمل فيها و يبعث على الانهماك في الشّهوات و
الانغمار في اللّذات و من كان هذه حاله لا يبالي بما قال و ما يقول و يقدّم بدواعي
شهواته الكذب على الصدق و الباطل على الحقّ ليصل غرضه و ينال مناه.
ثمّ نبّه
7 على بعض ما ترتب على نسيان الآخرة بقوله (انّه لم يبايع
معاوية حتى شرط له أن يؤتيه على البيعة أتيّة و يرضخ له على ترك الدّين) و العدول عن
الحقّ (رضيخة) فأعطاه مصر ثمنا و طعمة على ما قد مضى مفصّلا في شرح الفصل
الثالث من فصول الخطبة السّادسة و العشرين.
تذنيبات
الاول في
ذكر نسب عمرو بن العاص
اللّعين ابن
اللّعين عليه لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين أبد الأبدين و بيان بعض
حالاته الدالة على كفره و شقاوته مع الاشارة إلى ما صدر عنه في صفين من كشف سوئته
فأقول:
اعلم أنّ
العاص بن وائل أباه كان من المستهزئين برسول اللّه 6 و
المعالنين له بالعداوة و الأذى، و فيه و في أصحابه نزل قوله تعالى.
إِنَّا
كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
و كان يلقّب
في الاسلام بالأبتر لأنّه قال لقريش: سيموت هذا الأبتر غدا فينقطع ذكره، يعني رسول
اللّه 6 و يشتمه و يضع في طريقه الحجارة، لأنّه 6 كان يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة فكان يجعل الحجارة
في طريقه ليعثر بها، و هو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول اللّه 6 لما خرجت من مكة