ثمّ أشار 7 إلى كثرة الملائكة
بقوله: (و ليس في أطباق السموات موضع اهاب) و جلد (إلّا و عليه ملك ساجد) خاشع لربّه (أوساع) مسرع (حافد) في
طاعة معبوده (يزدادون على طول الطاعة بربّهم علما) و يقينا (و تزداد عزّة ربّهم في قلوبهم عظما) و كمالا.
استعاره
بالكنايه قال الشّارح البحراني: [إلّا و عليه ملك ساجد] اعلم أنّ للسماء ملائكة
مباشرة لتحريكها، و ملائكة أعلى رتبة من اولئك هم الآمرون لهم بالتحريك، فيشبه أن
يكون الاشارة بالساجدين منهم إلى الآمرين، و السجود كناية عن كمال عبادتهم كناية
بالمستعار، و يكون الاشارة بالساعين المسرعين إلى المتولّين للتحريك، فأمّا
زيادتهم بطول طاعتهم علما بربّهم فلما ثبت أنّ حركاتهم إنما هو شوقيّة للتشبّه
بملائكة أعلى رتبة منهم في كمالهم بالمعارف الالهية و ظهور ما في ذواتهم بالقوّة
إلى الفعل، و زيادة عزّة ربّهم عندهم عظما بحسب زيادة معرفتهم له تابعة لها.
أقول: و قد
مضى الاشارة منّا إلى أنّ هذا كلّه مبنيّ على الاصول الحكميّة و عدول عن طريق
الشريعة النبويّة على صادعها آلاف الصّلاة و السّلام و التحيّة و قدّمنا الأخبار
المناسبة للمقام في شرح الفصل التّاسع من الخطبة الاولى فتذكّر
و ينبغي
تذييل المقام بأمرين مهمّين: أحدهما فى عصمة الملائكة
و هو مذهب
أصحابنا الاماميّة رضوان اللَّه عليهم و عليه دلّت الآيات القرآنيّة و الأخبار
الكثيرة من طرقنا، و لنقتصر على رواية واحدة، و هو:
ما رواه في
الصّافي قال: قال الرّاوي: قلت لأبي محمّد 7: فانّ قوما عندنا يزعمون
أنّ هاروت و ماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم، و أنزلهما
اللَّه مع ثالث لهما إلى الدّنيا، و أنهما افتتنا بالزّهرة و أراد الزنا و شربا
الخمر و قتلا النفس المحرّمة؛ و أن اللَّه يعذّبهما ببابل، و أنّ السحرة منهما
يتعلّمون السّحر و أنّ اللَّه مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزّهرة.