(و لم ينفد طول الرّغبة إليه مادّة
تضرّعهم) أراد به عدم إفناء طول رغبتهم إليه دواعي
تضرّعهم له سبحانه كما في البشر فانّ أحدنا إذا كان له رغبة في أمر و أراد الوصول
إليه من عند أحد تضرّع إليه و ابتهل و إذا طال رغبته و لم ينل إلى مطلوبه حصل له
الملال و الكلال انقطع دواعى نفسه و ميول قلبه و ينعدم ما كان سببا لتضرّعه و
ابتهاله، و لمّا كان الملال و الكلال من عوارض المركبات العنصرية و كانت الملائكة
السماوية منزّهة عنها لا جرم حسن سلبها عنهم.
(و لا اطلق
عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم) لما كان من شأن مقرّبي الملوك و السّلاطين
أنهم كلّما ازداد زلفاهم و قرباهم إليهم انتقص خضوعهم و خشوعهم و تواضعهم من أجل
أنه يخفّ هيبتهم و سطوتهم في نظرهم لكونهم بشرا مثلهم و لم يكن كذلك حال من كان
مقرّبي الحضرة الرّبوبيّة بل هم كلّما ازدادوا قربا ازدادوا خشوعا من حيث عدم
انتهاء السّلطنة الألهيّة و عدم انتهاء مراتب العرفان و اليقين الدّاعيين إلى
التضرّع و العبادة و عدم وقوفها على حدّ، لا جرم لم يطلق عظم قربهم أعناق ذلّهم عن
ربقة الابتهال، فهم بقدر صعودهم في مدارج الطاعة يزداد قربهم، و كلّما ازداد قربهم
تضاعف علمهم بعظمته فيحصل بزيادة العلم بالعظمة كمال الخشوع و الذلّة.
(و لم
يتولهم الاعجاب فيستكثروا ما سلف منهم، و لا تركت لهم استكانة الاجلال نصيبا في
تعظيم حسناتهم) المراد بذلك نفى استيلاء العجب عليهم و الاشارة إلى أنهم لا
يستعظمون ما سلف منهم من العبادات، و لا يستكثرون ما تقدّم منهم من الطاعات، و
أنهم لم يترك لهم خضوعهم الناشي عن ملاحظة جلال اللَّه و ولههم النّاشي من شدّة
المحبّة إليه نصيبا في تعظيم الحسنات و حظا في إعظام القربات، لأنّ منشأ العجب هو
النّفس الأمارة و هو من أحكام الأوهام و الملائكة السماوية مبرّؤون منها و منزّهون
عنها.
(و لم تجر
الفترات فيهم على طول دؤوبهم) يعنى أنهم على طول جدّهم في العبادة لا يحصل
لهم فتور و لا قصور، و قد مضى بيان ذلك في شرح الفصل التاسع من الخطبة الاولى قال
زين العابدين و سيّد السّاجدين 7 في الصلاة على حملة العرش