لا يتجاوز السطرين أو الثلاثة إما في
موعظة تتضمّن ذكر الموت أو ذمّ الدّنيا و ما يتعلّق بحرب و قتال من ترغيب أو
ترهيب.
فأمّا الكلام
في الملائكة و صفاتها و عبادتها و تسبيحها و معرفتها بخالقها و حبّها له و ولهها
إليه و ما جرى مجرى ذلك ممّا تضمّنه هذا الفصل بطوله فانّه لم يكن معروفا عندهم
على هذا التّفصيل، نعم ربّما علموه جملة غير مقسّمة هذا التقسيم و لا مرتّبة هذا
الترتيب بما سمعوه من ذكر الملائكة في القرآن العظيم، فثبت أنّ هذه الامور الدقيقة
مثل هذه العبارة الفصيحة لم تحصل إلّا لعليّ 7 وحده، و اقسم أنّ هذا
الكلام إذا تأمّله اللّبيب اقشعرّ جلده و رجف قلبه و استشعر عظمة اللَّه العظيم في
روعه و خلده و هام نحوه و غلب الوجد عليه و كاد أن يخرج من مسكه شوقا و أن يفارق
هيكله صبابة و وجدا.
إذا عرفت ذلك
فلنعد إلى شرح كلامه 7 فأقول: قال 7 (ثمّ خلق سبحانه
لإمكان سماواته و عمارة الصّفيح الأعلى من ملكوته خلقا بديعا من ملائكته) ظاهر كلمة
ثمّ المفيد للترتيب الحقيقي كون خلق الملائكة بعد خلقة السّماوات، و يدلّ عليه
أخبار كثيرة إلّا أنّ في بعض الرّوايات سبق خلقة الملائكة على خلقة السّماوات، و
يمكن الجمع بالتخصيص ههنا بسكان السّماوات الذين لا يفارقونها، و المراد بالصفيح الأعلى سطح
كلّ سماء، و يقابله الصفيح الأسفل الذى هو الأرض، و يظهر من ذلك عدم تلاصق
السّماوات على ما ذهبت إليه الفلاسفة من غير دليل يعتمد عليه.
و أمّا ما في
شرح البحراني من أنّه يحتمل أن يشير 7 بالصّفيح الأعلى إلى
الفلك التاسع و هو العرش لكونه أعظم الأجرام و أعلاها و سكانه الملائكة المدبّرون
له، فمبنىّ على اصول الفلاسفة مخالف للأخبار و كلام أهل اللغة حسبما عرفت آنفا في
ترجمة لفظ الصفيح، و مخالف أيضا لظاهر قوله 7 (فملأ بهم فروج
فجاجها و حشابهم فتوق أجوائها) إذ المستفاد من ذلك أنّ ما بين السّماوات
مملوّة بهم فيكون السّطوح المحدّبة منها محلّ إسكان الملائكة و مكان عبادتهم للّه
سبحانه