إلى ما ورائه، كذلك السّماء لا تحجب علوم
الملائكة أن تتعلّق بما في هذا العالم من الموجودات، فجرت مجرى المنفرج من الأجسام
فاطلق عليه لفظ الانفراج و تذليله لحزونة ذلك الانفراج لهم هو كونها غير مانعة
بوجه لجريان علوم الملائكة المقرّبين في هذا العالم.
أقول: و أنت
خبير بما فيه، فانّ ما ذكره كلّه تأويل لا داعي إليه موجب لطرح ظواهر الآيات
المتوافرة و نصوص الأخبار المتواترة المثبتة للهبوط و الصعود المحسوسين للملائكة،
بعيد عن لسان الشريعة، و إنما دعاه إلى ذلك استيناسه بحكمة الفلاسفة المخالفة
للكتاب و السّنة.
(و ناداها بعد
إذ هي دخان فالتحمت عرى أشراجها) المراد بندائها حكمه و أمره التكويني النافذ
فيها بالوجود و بالتحام عرى أشراجها تمام خلقها و فيضان الصور السماوية عليها، و
ذلك باعتبار تركيبها و انضمام جزئها الصورى إلى جزئها المادّى كما يلتحم طرفا
العيبة تبشريج عراها، و فيه تلميح إلى قوله سبحانه:
ثُمَّ
اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فقوله 7: و ناداها إشارة إلى قوله: ائتيا طوعا أو
كرها، و قوله 7: بعد إذ هى دخان، موافق لقوله: و هي
دخان، و قوله 7: فالتحمت اه مساوق لقوله:
فقضيهنّ
الآية.
قال البيضاوى
في تفسيرها: قصد نحو السماء و هي دخان أمر ظلماني، و لعلّه أراد به مادّتها و
الاجزاء المتفرّقة التي ركبت منها، فقال لها و للأَرض ائتيا بما خلقت فيكما من
التأثير و التأثّر و ابراز ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة و الكاينات المتنوّعة
أو ائتيا في الوجود أو اتيان السماء حدوثها و إتيان الأرض أن تصير مدحوّة، طوعا أو
كرها شئتما ذلك أو أبيتما، و المراد إظهار قدرته و وجوب وقوع مراده لا إثبات
الطلوع و الكره لهما، قالتا أتينا طائعين منقادين بالذات و الأظهر أنّ المراد
تصوير