إلى غير هذه
من الآيات الباهرة و الحجج القاهرة (و) أشهد (أنّك أنت اللَّه
الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهبّ فكرها مكيّفا، و لا في رويّات خواطرها
فتكون محدودا مصرّفا) و هي شهادة ثالثة على تنزّهه من إحاطة العقول البشريّة
فنفاها بنفي ما يترتّب عليها من كونه تعالى ذا نهاية، إذ معنى الاحاطة بالشيء هو
إدراكه بكنهه و معرفته بجميع جهاته و بلوغ العقل غايته و نهايته بحيث لا يكون وراء
ما أدركه شيء آخر و نفي انتهائه بنفي ما يترتّب عليه من كونه ذا كيفيّة تكيّفه
بها القوى المتخيّلة لتثبته بها العقول، و كونه محدودا أى ذا حدّ و نهاية أو محدودا
بحدّ يحدّه و يعرّفه إذ إدراك العقول للحقايق بكنهها إنّما هو من حدودها و
معرّفاتها.
و هذا مبنيّ
على كون المحدود مأخوذا من الحدّ الذى هو معرّف الشيء و القول الشارح له كما أنّ
الاوّل مبنيّ على أخذه من الحدّ بمعنى النهاية، و هو بكلا المعنيين محال على اللَّه
سبحانه و كونه مصرّفا أى ذا تصريف و تقليب مأخوذ من تصريف الرّياح و هو تحويلها من
وجه إلى وجه و من حال إلى حال لأنّه إذا