و لما أمر
7 بالرجوع إلى القرآن و الاقتداء به و الاستضائة بأنواره و الأخذ بما
ورد فيه من صفات الحقّ تعالى شأنه و تقدّس ذاته أردفه بقوله: (و ما كلّفك
الشّيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه و لا في سنّة النّبيّ 6 و أئمة الهدى أثره فكل علمه إلى اللَّه سبحانه فانّ ذلك منتهى
حقّ اللَّه عليك) و مراده 7 بذلك المنع من تكلّف ما لم يفرض علمه على
المكلّفين، و الرّدع عن الخوض فيما لم يثبت وجوب معرفته على العباد في الكتاب
المبين، و لا في سنّة النّبيّ الأمين و أئمة الدّين سلام اللَّه عليهم أجمعين
معلّلا بأنّ منتهى حقّ اللَّه على العباد أن يقولوا بما دلّ عليه القرآن، و يصفوه
بالأوصاف الثّابتة في الفرقان، و ينتهوا عما رفع علمه عنهم و يكلوا علمه و يفوّضوه
إلى اللَّه السّبحان مشيرا إلى أن تكلّف ما يزيد على ذلك من تكليفات الشّيطان
اللّعين و تدليساته و وساوسه ليضلّ به عن النهج القويم و الصّراط المستقيم.
و ان شئت
توضيح ذلك فأقول: إنّ الكتاب الكريم قد دلّ على أنّه سبحانه عالم و أنه بكلّ شيء
محيط، فيجب لنا الاذعان بذلك و عقد القلب عليه، و أمّا البحث عن كيفيّة علمه و أنه
على أىّ نحو هو فلا يجب علينا، و ربما يؤدّى التعمق فيه إلى الضّلال كما ضلّ فيه
كثير من الحكماء.
فمنهم من
تحيّر في معرفته فنفاه رأسا، و منهم من ضاق به الخناق إلى الاطلاق فنفى علمه
بالجزئيات، و منهم من قرّره على وجه أوجب القول بكون الذّات فاعلا و قابلا و بكونه
متّصفا بصفات غير سبلبية و لا اضافية إلى غير ذلك من المفاسد التي نشأت من كثرة
البحث فيه على ما مرّ تفصيلا في تنبيه الفصل السّابع من فصول الخطبة الاولى.
و كذلك قد
ورد في القرآن أنّه تعالى خالق الأشياء و مبدعها، فيجب لنا الاعتقاد به و ليس بفرض
علينا أن نتكلّف البحث في كيفيّة الخلقة حتّى نقع في