اعلم أنّه
7 صدّر هذه الخطبة الشّريفة بجملة من الصّفات الجمالية و الجلالية
الالهية، و ذيّلها بالموعظة و النّصيحة و الحثّ على التزوّد و الاستعداد للآخرة
فقال 7: (الحمد للّه المعروف من غير رؤية) يعني أنّه سبحانه
معروف بدلائل الملك و الملكوت و آثار القدرة و الجبروت و مدرك بحقايق الايمان من
غير رؤية و مشاهدة بالعيان، لكونها من لواحق الامكان كما مرّ توضيحا و تحقيقا في
شرح الخطبة التاسعة و الأربعين (و الخالق من غير روية) أراد أنّه
تعالى خالق للأشياء بنفس قدرته التّامة الكاملة غير محتاج في خلقها إلى رويّة و
فكرة كما يحتاج إليها نوع الانسان في إيجاد شيء، و ذلك انّ فايدة القوّة المفكّرة
تحصيل المطالب المجهولة من المبادي المعلومة و الجهل محال على اللَّه سبحانه (الذي لم
يزل قائما دائما) أمّا دوامه سبحانه فلأنّ وجوب الوجود يستحيل عليه العدم في الأزل و
الأبد، و أمّا قيامه فالمراد به إما الدّوام و البقاء و إمّا القيام بأمور العالم
و القيمومة على كلّ شيء بمراعاة حاله و درجة كماله و الحافظ لكلّ شيء و المدبّر
لأمره أو الرّقيب على كلّ شيء و الحافظ عليه و به فسرّ قوله سبحانه:
أَ فَمَنْ
هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ و الأوّل أنسب
بقوله (إذ لا سماء ذات أبراج) لأنّ القيمومة بالمعنى الأوّل من صفات
الذّات و بالمعنى الثاني من صفات الفعل و بعد السّماء و وجود العالم لأنّه إذا لم
يكن العالم مخلوقا بعد لم يصدق عليه أنه قائم بأمره إلّا بالقوّة لا بالفعل فافهم
و المراد بالابراج إمّا الأركان كما هي معناها في اللغة و إمّا ما فسّر به قوله
تعالى:
وَ
السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ.
و لهم في
تفسيره ثلاثة أقوال: أحدها أنها هي البروج الاثنا عشر التي فيها عجيب الحكمة إذ
سير الشّمس فيها و مصالح العالم السّفلى مرتبطة بسير الشّمس