و السابع و العشرون أنّه (قد أخلص للّه فاستخلصه) أى أخلص علمه للّه و
جعله خالصا عن شوب الرّياء و الشّرك على ما مضى في شرح الفصل الرّابع من فصول
الخطبة الأولى، و حيث إنه أخلص للّه فاستخلصه اللّه و اختاره و اختصّه من بين
أبناء جنسه بالرّضا عنه و إفاضة الكمالات عليه و إدنائه إلى مقام القدس.
و الثّامن و
العشرون أنّه إذا اتّصف بالاخلاص و الاستخلاص (ف) صار تشبيه (هو من
معادن دينه و أوتاد أرضه) شبّهه 7 من حيث كونه محلّا للدّين
و مستقرّا له بالمعدن الّذى يستقرّ فيه الجوهر فكما أنّ المعدن يستخرج منه الجوهر
و ينتزع منه، فكذلك الدّين الّذي هو جوهر عقلائي يستفاد من ذلك الموصوف و يكتسب
منه، حقيقت و مجاز و أمّا معنى كونه من أوتاد أرضه فهو أنّك قد عرفت في
شرح الفصل الثالث من فصول الخطبة الأولى أنّه سبحانه وتدّ بالصّخور و الجبال ميدان
أرضه و اضطرابه و أنت إذا أخذت بين مجامع هذا الكلام و ما تقدّم ظهر لك أنّه 7 جعل الموصوف بمنزلة جبل يكون وتداً للأرض مانعا لها عن الاضطراب، و هو
إمّا جار على الحقيقة إن أراد بالموصوف نفسه الشّريف و من هو بمنزلته من أولاده
المعصومين الّذين لولاهم لماجت الأرض بأهلها و ساخت، و إمّا على المجاز بأن يكون
المراد به العموم فانّ الرّجل الموصوف لما كان سببا لانتظام أمر الدّنيا و عدم اضطراب
أحوال أهلها كان كالوتد للأرض فافهم.
و التّاسع و
العشرون أنه (قد ألزم نفسه العدل فكان أوّل عدله نفى الهوى عن نفسه) لما كان
العدالة ملكة تصدر بها عن النفس الأفعال الفاضلة خلقا لا تخلّقا و اصولها عبارة عن
الحكمة و العفّة و الشجاعة، و ساير الفضايل فروعا لها و كان العارف قد أرضى نفسه
بالعبادة و غيرها حتّى حصل على هذه الفضايل الخلقيّة لا جرم كان بسعيه في حصولها
قد ألزم نفسه العدل.
قال الشّارح
البحراني: و لما كان العدل في القوّة الشّهوية الّذي هو أن يصير عفيفا لا خامد
الشهوة و لا فاجرا أصعب[1] من العدل
على ساير القوى لكثرة