يتجرّد سبب واحد منها، نعوذ باللّه من
شرور النفس و شحّ الأنفس.
الرابع
في بيان سبب
كثرة الحسد بين العلماء على ما أخبر به رسول اللّه 6 من أنّه
عشرة أجزاء منها تسعة بين العلماء و واحد في النّاس و لهم من ذلك الجزء الحظّ
الأوفر.
فأقول:
العلماء إمّا علماء الدّنيا أو علماء الآخرة، و المراد بالأوّل من كان غرضه من
العلم هو الدّنيا و تحصيل رياستها و حبّ شهواتها و قنياتها و طلب الوقع في قلوب
النّاس و ابتغاء إقبالهم إليه، و بالثّاني هم العارفون باللّه و الراغبون في
الآخرة و الزّاهدون في الدّنيا المعرضون عنها.
و الحسد
إنّما هو بين الطائفة الاولى، و سببه تزاحمهم على غرض واحد إذ كلّ منهم يريد الفضل
لنفسه دون صاحبه، و يتمنّى الاشتهار و المرجعيّة و الرّياسة و صداء النّعلين و نحو
ذلك، و يريد ذلك بعينه غيره من أبناء جنسه فيتزاحمان على غرض واحد.
و من أجل
التّزاحم أيضا ينشأ الحسد بين أفراد جنس واحد و أبناء نوع واحد كالتّاجر للتّاجر،
و الواعظ للواعظ، و البزّاز للبزّاز و هكذا، فانّ الغالب أنّ البزّاز يحسد للبزّاز
دون العطار و دون الواعظ، و العالم يحسد العالم دون الصّانع و لما ذكرناه ترى
الحسد بين علماء بلدة واحدة أكثر مما بين علماء بلدتين و ما بين البلدتين
القريبتين أكثر ممّا بين البلدتين النائيتين لزيادة التزاحم في الأولى على
الثّانية، و منشأ ذلك كلّه هو حبّ الدّنيا، فانّ الدّنيا هي الّتي تضيق على
المتزاحمين.
و أمّا علماء
الآخرة العارفون باللّه و المبتهجون بمعرفته سبحانه فلا يكون بينهم تحاسد، لأنّ
غرضهم هو الآخرة و مقصدهم هو المعرفة و لا ضيق في شيء منهما كالدّنيا ألا ترى أنّ
من أحبّ معرفته سبحانه و معرفة صفاته و أفعاله من عجائب ملكوت سمائه و أرضه لا
يعادي و لا يبغض غيره ممّن كان يحبّ معرفة ذلك أيضا و ذلك لسعة