(فليعمل
العامل منكم في أيّام مهله قبل إرهاق أجله) و هو أمر بالمبادرة إلى العمل قبل
حلول الأجل، لأنّ الموت إذا حلّ ارتفع التّكليف و بطل، فليبادر في أيّام المهل قبل
أن يحلّ الموت و ينزل و قبل أن يحول بينه و بين العمل.
(و في
فراغه) من شدايد الأهوال (قبل أوان شغله) بفجايع الآجال (و في
متنفّسه) أى سعة نفسه و خلاقه[1] (قبل أن
يؤخذ بكظمه) و خناقه[2] (و ليمهّد
لنفسه و قدمه) قبل أن لا ينفعه ندمه (و ليتزوّد من دار ظعنه) و رحلته (لدار
إقامته) و محلّ فاقته، و إنّما أمر بذلك لأنّ سفر الآخرة مهول و السّبيل
طويل و الخطر جليل فمن لم يمهّد لنفسه زادا يتقوّى به و لا لقدمه محلا يضعها عليه
مع حزونة الطّريق و خشونته صعب له الوصول إلى المحلّ بل تاه في المهامه[3] و ضلّ.
(فاللّه
اللَّه عباد اللَّه فيما استحفظكم من كتابه) و طلب منكم تدبّر ما
فيه من تكليفه و خطابه (و استودعكم من حقوقه) المؤدّية إلى ثوابه
و عقابه (فانّ اللَّه سبحانه لم يخلقكم عبثا) لعبا (و لم
يترككم سدى) هملا كالابل الرّتاع و الجمل الرّعاع، و انّما خلقكم على وجه الحكمة
و الصّواب و جعلكم عاقلا قابلا للتّكليف و الخطاب لتستفيدوا محاسن الآداب، و
تنافسوا في المكارم، و تسارعوا في المغانم و تحصّلوا المعارف و الطّاعات، و تنتهوا
عن المعاصي و السّيئات.
فانه قد نصب
لكم أعلام الهدى (و لم يدعكم في جهالة و لا عمى) فمن خبط بعد ذلك و
طغى فقد ضلّ و غوى، و من أطاع فاتّقى فلسوف يعطيه ما يرضى و (قد سمّى آثاركم) خيرها و
شرّها و رفع أخباركم نفعها و ضرّها (و علم أعمالكم) صغيرها و كبيرها (و كتب
آجالكم) طويلها و قصيرها (و أنزل عليكم الكتاب