فانّ قولهم
أخزيته دون أحرقته أو عذّبته دليل على أنّ ألم الخزى عندهم أشدّ و أفظع من ألم
الاحتراق بالنار، و ذلك لأنّ الخزى عذاب روحانيّ و عذاب الاحتراق و الأفاعى و
العقارب و ساير ما اعدّ في جهنّم عذاب جسمانيّ، و لا شكّ أنّ الأوّل أشدّ و آكد.
ثم أشار 7 إلى دوام نعيم الجنّة بقوله: (لا ينقطع نعيمها) و قد أشير إلى ذلك
في غير واحدة من الآيات مثل قوله سبحانه:
مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها و قوله: وَ أَصْحابُ
الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ وَ
ظِلٍّ مَمْدُودٍ وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا
مَمْنُوعَةٍ و قوله: إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ و إنّما لم
يكن لنعمها نفاد و انقطاع لأنّ استحقاق تلك النّعيم إنّما نشأ من ملكات ثابتة في
جوهره لا تتغيّر و لا تتبدّل و مهما دام الاستحقاق القابل للنعمة و الجود وجب دوام
الافاضة و الانعام من واجب الوجود، إذ هو الجواد المطلق الذي لا بخل من جهته و لا
نفاد في خزانته (و لا يظعن مقيمها) أي لا يسير عنها و المراد به إمّا نفى سيره
عنها إلى الخارج فيكون المقصود به الاشارة إلى أنّها دار خلود و دوام و على ذلك
فهذه الجملة تأكيد للجملة السّابقة، و إمّا نفى السير عن مقامه إلى مقام آخر فيها
طلبا لما هو أحسن منه و إلى الأوّل أشير في قوله تعالى:
لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها الآية و على الثّاني اشير في قوله: إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ