من الجنّة و النّاس كما يقال نعوذ باللّه
من شرّ كلّ مارد من الجنّ و الانس، و على هذا فيكون وسواس الجنّة هو وسواس
الشّيطان، و وسواس الانس إغواء من يغويه من النّاس، فشيطان الجنّ يوسوس و شيطان
الانس يأتي علانية و يرى أنه ينصح و قصده الشرّ و يموّه و يلقى في سمعه زخرف القول
الذي يستحسن ظاهره و يقبح باطنه.
(فأضل و
أردى و وعد فمنى) أى أضلّ بنفوذه في الصدور و وسوسته في القلوب عن طريق الهداية و
أوقع في أودية الهلاكة أعني هلاكة الآخرة الموجبة لاستحقاق النار و لغضب الجبار و
وعدهم بالمواعيد الكاذبة و منّا هم الأمانى الباطلة كما قال سبحانه:
أي يمنّيهم
الأهواء الباطلة و يلقيها في قلب الانسان فيمنّيه طول البقاء و أنّه ينال من
الدّنيا مقصوده و يستولى على أعدائه و يوقع في نفسه أنّ الدّنيا دول فربّما تيسّرت
لي كما تيسّرت لغيري، و يشوّش بذلك فكره في استخراج الحيل الدّقيقة و الوسائل
اللّطيفة في تحصيل مطالبه الشّهويّة و الغضبيّة، فيصدّه عن الطاعة و يوقعه في المعصية
و تسويف التّوبة.
و هذه
الأماني إنّما تنشأ من الثّقة بقوله و الوثوق بوعده، و وعده تارة يكون بالقاء
الخواطر الفاسدة و اخرى بألسنة أوليائه من شياطين الانس، فربّما يعد بالمغفرة مع
الكبيرة كما قال تعالى: يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا، و ربّما يعد
أنّه لا قيامة و لا حساب و لا ثواب و لا عقاب و يقول للإنسان اجتهد في استيفاء
اللّذات العاجلة و اغتنم الحياة الزّائلة.
(و زيّن
سيئات الجرائم و هوّن موبقات العظائم) أي زيّن في نظر الانسان