و لئن كان
الانسان مع ترقبه الموت كلّ ساعة لا يمتنع عن المعاصي فانّه لو وثق بطول البقاء
كان أحرى أن يخرج إلى الكباير الفظيعة فترقّب الموت على كلّ حال خير له من الثقة
بالبقاء.
و إن كان صنف
من النّاس ينهون عنه و لا يتّعظون به فقد يتّعظ به صنف آخر منهم و ينزعون عن
المعاصي و يؤثرون العمل الصالح و يجودون بالأموال و العقايل النفيسة و الصّدقة على
الفقراء و المساكين فلم يكن من العدل أن يحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة ليضيع
أولئك حظّهم.
و بالجملة
فقد وضح، و اتضح كلّ الوضوح أنّ سترمدد الأعمار عن الخلق من جلايل النعم و أعظم ما
منّ اللّه سبحانه به عليهم.
و مثله نعمة
اخرى هي أيضا من أسبغ الآلاء و أسنى النّعماء من حيث كونها موجبة للتّجافي عن دار
الغرور جاذبة إلى دار السّرور باعثة على السّعادة الأبديّة موقعة في العناية
السّرمديّة (و) هى أنّه سبحانه (خلف لكم عبرا) تعتبرون بها
و أبقى آثارا تتذكّرون منها (من آثار الماضين قبلكم) من الأهلين
و الأقربين و الأولين و الآخرين و ممّن كان أطول منكم أعمارا و أشدّ بطشا و أعمر
ديارا (من مستمتع خلاقهم و مستفسح خناقهم) أى الدّنيا التي
كانت محلّ استمتاعهم بخلاقهم و انتفاعهم بحظوظهم و انصبائهم و محلّ الفسحة
لأعناقهم من ضيق حبائل الموت و دار امهالهم من انشاب مخالب الفناء و الفوت.
فأنتم فيها
كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَ أَكْثَرَ
أَمْوالًا وَ أَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ
كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي
خاضُوا[1] أُولئِكَ
حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ
الْخاسِرُونَ[2] (أرهقتهم
المنايا دون الآمال و شذّبهم عنها تخرّم الآجال) اى اخترمتهم أيدي
المنون[3] من قرون
بعد