ضعيف يبهره نور الشّمس في النّهار إذا
أشرقت و لهذا إذا امتزج الضّوء بالظلام و ضعف ظهوره أبصر بالليل.
فكذلك عقول
البشر ضعيفة و جمال الحضرة الالهيّة في غاية الاشراق و نهاية الشّمول و الاستغراق
حتّى لم يشذّ عن ظهوره ذرّة من السّماوات و الأرض، فصار ظهوره سبب خفائه فسبحان من
احتجب بشدّة ظهوره و اختفى عن البصاير باشراق نوره.
و أيضا
الأشياء قد يستبان بأضدادها و ما عمّ وجوده و شموله حتّى لا ضدّ له كأصل الوجود
عسر إدراكه، فلو لا غروب لنور الشّمس و لا احتجاب له عن بعض مواضع الارض لكنّا
ظننّا أن لا هيئة في الاجسام إلّا سطوحها و ألوانها، و لكن لما غابت الشّمس و
اظلمت بعض المواضع أدركنا تفرقة بين الحالين، و عرفنا وجود النّور بعدمه عند
الغروب، و لو لا عدمه ما كنا نطلع عليه إلّا بعسر شديد هذا.
مع أنّ
النّور أظهر المحسوسات و اللّه سبحانه أظهر الاشياء و به ظهرت الانوار كلّها، و لو
كان له عدم أو غيبة أو تغيّر لانهدمت الأرض و السّماء و لا نعدمت الأشياء كلّها و
بطل الملك و الملكوت، و لادركت به الفرق بين الحالتين، و لو كان بعض الأشياء
موجودا به و بعضها موجودا بغيره لادركت التّفرقة في الدّلالة، و لكن وجوده دائم في
الأحوال و دلالته عامة على نسق واحد في الأشياء، فلا جرم أورث شدّة الظهور خفائه.
(و) الحادية عشر
أنّه تعالى (لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان و لا تخوف من عواقب زمان و لا
استعانة) منه (على ندّ) و نظير (مثاور) أى مواثب (و لا
شريك) و مثل (مكاثر) أي متعرّض للغلبة (و لا ضدّ منافر) أى مسارع
إليه بالمعادات، و المراد بذلك كلّه بيان أنّ اللّه سبحانه ليس لفعله داع و غرض
غير ذاته، و أشار إليه بنفى أقسام الدّواعي و الأغراض و ما يلحقها من العوارض و
الحالات.
و البرهان
على ذلك أنّه تعالى لو فعل لغرض لا يخلو إما أن يكون وجود ذلك الغرض و عدمه
بالنّسبة إليه على سواء أولا يكون كذلك، و الأوّل باطل و إلّا لكان