و منهم من أقعده عن طلب الملك ضئولة
نفسه، و انقطاع سببه فقصّرته الحال على حاله، فتحلّى باسم القناعة، و تزيّن بلباس
أهل الزّهادة، و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى. و بقى رجال غضّ أبصارهم ذكر
المرجع، و أراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادّ، و خائف مقموع، و ساكت
مكعوم، و داع مخلص، و ثكلان موجع، قد أخملتهم التّقيّة، و شملتهم الذّلّة، فهم في
بحر أجاج، أفواههم ضامزة، و قلوبهم قرحة، قد و عظوا حتّى ملّوا، و قهروا حتّى
ذلّوا، و قتلوا حتّى قلّوا، فلتكن الدّنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ، و قراضة
الجلم، و اتّعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم، و ارفضوها ذميمة،
فإنّها قد رفضت من كان أشعف بها منكم.
قال السّيد
(ره) أقول هذه الخطبة ربّما نسبها من لا علم لها إلى معاوية و هي من كلام أمير
المؤمنين 7 الذى لا شك فيه، و أين الذّهب من الرّغام و العذب من
الاجاج، و قد دلّ على ذلك الدّليل الخرّيت و نقده النّاقد البصير: عمرو بن بحر
الجاحظ، فانّه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان و التّبيين، و ذكر من نسبها إلى
معاوية، ثمّ قال: هي بكلام عليّ 7 أشبه و بمذهبه في تصنيف النّاس و في
الاخبار عمّا هم عليه من القهر و الاذلال و من التقية و الخوف أليق، قال: و متى
وجدنا معاوية في حال من الأحوال سلك في كلامه مسلك الزّهاد و مذاهب العبّاد.