إمّا الكفّ عن الحرب و الاذعان بالعجز و
الاستقرار على الذّلة المستلزم لتأخير المنزلة و انحطاط الدّرجة عن رتبة أهل
الشّرف و الشّجاعة، و إمّا الاستعداد للقتال و تروية السّيوف من الدّماء المستلزم
للتّروية من الماء.
و في هذا
الكلام من الحسن و اللّطف ما لا يخفى إذ من المعلوم أنّ الاقرار بالعجز و الثبات
على الذّلة مكروه بالطبع، و التّروّي من الماء للعطاش محبوب بالطبع و العاقل لا
يختار للمكروه على المحبوب قطعا بل يرجّحه عليه و يتوصّل إليه و لو بتروية سيفه من
الدّماء فيكون القتال محبوبا عنده أيضا مع كونه مكروها بالطبع من أجل ايصاله إلى
المطلوب.
و لمّا أشار
7 الى كون التّواني في الجهاد موجبا للذّلّ و انحطاط الرّتبة فرّع على
ذلك قوله المقابلة- السّجع المطرف- السّجع المتوازي (فالموت في حياتكم
مقهورين و الحياة في موتكم قاهرين) تنبيها على أنّ الحياة مع الذّلة موت في
الحقيقة و الموت مع العزّة حياة كما قال الشّاعر:
و من فاته نيل العلى بعلومه
و أقلامه فليبغها بحسامه
فموت الفتى في العزّ مثل حياته
و عيشته في الذّلّ مثل حمامه
و ذلك لأنّ
الحياة في حالة المقهورية و مع الذّلة و سقوط المنزلة أشدّ مقاساة من موت البدن
عند العاقل بكثير، بل موتات متعاقبة عند ذي اللب البصير، كما أنّ الموت في حالة
القاهريّة و مع العزّة موجب للذّكر الباقي الجميل في الدّنيا و للأجر الجزيل في
العقبى، فهو في الحقيقة حياة لا تنقطع و لا تفنى كما قال تعالى:
وَ لا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ هذا و لا يخفى ما في هاتين الفقرتين من حسن
المقابلة كما في ما قبلهما من السّجع المطرف، و فيما قبلهما من السّجع المتوازي.
ثمّ أنّه بعد
حثّ أصحابه على الجهاد أشار إلى ما عليه معاوية و أصحابه من الغوى