قريش: إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع و لكن
لا علم له بالحرب).
و ذلك لأنّ النّاس
إذا رؤا من قوم سوء تدبير أو مقتضى رأي فاسد كان الغالب أن ينسبوه إلى رئيسهم و
مقدّمهم، و لا يعلمون أنّه من تقصير القوم لا من قصور الرّئيس، و لذلك تعجّب منهم
و ردّ توهّمهم بقوله: (للّه أبوهم و هل أحد أشدّ لها) للحراب (مراسا) و معالجة (و أقدم
فيها مقاما) و ممارسة (منّي و لقد) صرفت فيها تمام عمري و (نهضت
فيها و ما بلغت العشرين و ها أنا قد ذرّفت على السّتين).
ثمّ بيّن أنّ
السّبب في فساد حال أصحابه ليس ما تخيّله قريش فيه من ضعف الرّأي في الحرب و قلة
التّدبير، بل عدم طاعتهم له فيما يراه و يشير إليه و ذلك قوله (و لكن لا
رأى لمن لا يطاع) فانّ الرّأى الذي لا يقبل بمنزلة الفاسد و إن كان صوابا، و المثل
له.
قيل: و إنّما
قال أعداؤه لا رأى له، لأنّه كان متقيّدا بالشّريعة لا يرى خلافها و لا يعمل بما
يقتضى الدّين تحريمه، و قد قال هو 7: لو لا الدّين و التقى لكنت أدهى
العرب، و غيره من الخلفا كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه و يستوقفه سواء كان مطابقا
للشّرع أو لم يكن هذا.
روى في
البحار من كتاب إرشاد القلوب باسناده إلى أبي جعفر الباقر 8 قال:
بينما أمير المؤمنين يتجهّز إلى معاوية و يحرّض النّاس على قتاله إذا اختصم إليه
رجلان في فعل فعجل أحدهما في الكلام و زاد فيه، فالتفت إليه أمير المؤمنين 7 و قال له: اخسأ، فاذا رأسه رأس الكلب، فبهت من حوله و أقبل الرّجل بإصبعه
المسبحة يتضرّع إلى أمير المؤمنين 7 و يسأله الاقالة فنظر إليه و حرّك
شفتيه فعاد كما كان خلقا سويّا.
فوثب إليه
بعض أصحابه فقال له: يا أمير المؤمنين هذه القدرة لك كما رأينا و أنت تجهز إلى
معاوية فما لك لا تكفيناه ببعض ما أعطاك اللّه من هذه القدرة؟
فأطرق قليلا
و رفع رأسه إليهم و قال:
و الذي فلق
الحبّة و برئ النّسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة في