فإنّ في هذه
الامور كلها عبرة لمن اعتبر، و تذكرة لمن ادّكر (و) مع هذه
كلّها (زجرتم بما فيه مزدجر) من النّهي الأكيد، و الوعيد الشّديد
الوارد في الكتب الإلهيّة و السّنن النبويّة (و) بعد ذلك كله
لم يبق عذر لمن اعتذروا (ما يبلغ عن اللّه بعد رسل السّماء إلّا البشر) و ما فرّط و
لا قصّر، بل بلّغ و ذكر، و بشّر و أنذر حكمة بالغة فما تغني النّذر.
و لنتبع هذه
الخطبة الشريفة لأمير المؤمنين و سيّد الوصيّين بندبة جليلة لسبطه الأجل زين
العابدين و سيّد السّاجدين سلام اللّه عليهما من ربّ العالمين، لكون تلك النّدبة
مع هذه الخطبة مطابقة المضامين، مضافا إلى ما فيها من الفوائد الجمة و المواعظ
الحسنة التي يتنبّه بها الجاهل عن نوم الغفلة، و يهتدى بها الضّالّ عن طريق
الضّلالة.
و هي ما
رواها شاكر بن غنيمة بن أبي الفضل عن عبد الجبّار الهاشمي قال:
سمعت هذه
النّدبة من الشّيخ أبي بشر بن أبي طالب الكندي يرويها عن أبي عيينة الزّهري قال:
كان عليّ بن الحسين 7 يناجي و يقول:
قل لمن قلّ
عزاؤه، و طال بكاؤه، و دام عناؤه، و بان صبره، و تقسم فكره، و التبس عليه أمره، من
فقد الأولاد، و مفارقة الآباء و الاجداد، و الامتعاض بشماتة الحسّاد: أَ لَمْ
تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ شعر:
تعزّ فكلّ للمنيّة ذائق
و كلّ ابن انثى للحياة مفارق
فعمر الفتى للحادثات ذريئة
تناهبه ساعاتها و الدّقايق
كذا تتفاني واحدا بعد واحد
و تطرقنا بالحادثات الطوارق
فحسّن
الأعمال، و جمّل الأفعال، و قصّر الآمال الطوال، فما عن سبيل المنية مذهب، و لا عن
سيف الحمام مهرب، و لا إلى قصد النّجاة مطلب، فيا أيّها الانسان المتسخّط على
الزّمان، و الدّهر الخوّان، مالك و الخلود إلى دار الأحزان، و السكون