مثل ما رواه في الوسائل بإسناده عن فضيل
بن عيّاض عن أبي عبد اللّه 7 قال: قلت له: من الورع من النّاس؟ قال:
الذي يتورّع من محارم اللّه و يجتنب هؤلاء فاذا لم يتّق الشّبهات وقع في الحرام و
هو لا يعرفه.
و عن عمر بن
حنظلة عنه 7 أيضا في حديث قال: و إنّما الامور ثلاثة: أمر بيّن رشده
فيتّبع، و أمر بيّن فيجتنب، و أمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه سبحانه، قال رسول
اللّه 6 حلال بيّن و حرام بيّن و شبهات بين ذلك فمن
ترك الشّبهات نجا من المحرّمات و من أخذ بالشّبهات ارتكب المحرّمات و هلك من حيث
لا يعلم، ثمّ قال في آخر الحديث: فإنّ الوقوف عند الشّبهات خير من الاقتحام في
الهلكات.
و عن
النّعمان بن بشير قال: سمعت رسول اللّه 6 يقول: إنّ
لكلّ ملك حمى و إنّ حمى اللّه حلاله و حرامه و المشتبهات بين ذلك، كما لو أنّ
راعيا رعى إلى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن تقع في وسطه، فدعوا المشتبهات.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أنّه 7 لمّا نبّههم على لزوم التّقوى و أنّه مانع من تقحّم
الشّبهات نبّههم بعده على أنّهم في الشّبهات مغمورون بقوله: (ألا و إنّ
بليّتكم هذه قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه 6) و أشار 7 ببليّتهم هذه إلى ما هم عليه من تشتّت الآراء و تفرّق الأهواء و عدم
الالفة و الاجتماع في نصرة اللّه عن شبهات يلقيها الشّيطان على الأذهان القابلة
لوسوسته المقهورة في يده، و ذلك من أعظم الفتن التي بها يبتلي اللّه عباده كما
قال:
وَ
نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ و هي امور
تشبه ما كان عليه النّاس حال بعثة النّبيّ 6، لأنّهم
كانوا يومئذ مللا متفرّقة و أهواء منتشرة و طرائق متشتّتة، و فيه تنبيه لهم على
أنّهم ليسوا من تقوى اللّه في شيء، و لا على دين الحقّ أيّام خلافة الثلاثة كما
أنّهم لم يكونوا من أهل الدّيانة في أيّام الفترة و يوم بعثة النّبيّ 6، و إشارة إلى أنّهم كما كانوا يومئذ مأمورين بالتمسّك بأذيال
النّبوّة كي يخلصوا من الكفر و الضّلالة فكذلك هؤلاء