و اخرى بجعل الفاعل بمعنى المفعول مع حذف
الموصوف أيضا أى لم يفقه الأشياء الموعية، و ثالثة بجعلها بمعنى الصّارفة.
فإن قلت: ما
السّر في وصفه السّمع بعدم الفقه لا بعدم السّماع و تعبيره بقوله: لم يفقه دون لم
يسمع مع كون الواعية أيضا من قبيل المسموعات لا المفقوهات و الحال أنّ الموصوف و
المتعلق كليهما مقتضيان للتعبير بالثّاني دون الأوّل.
قلت: بعد
الغضّ عن عدم ملايمة الوصف بالثّاني للدّعاء بالوقر لاستلزامه تحصيل الحاصل أنّ
السّر في ذلك هو أنّ المقصود بالسّمع ليس مجرّد السّماع و الاستماع بل الفقه و
الفهم و الاتعاظ بالمواعظ و النّصايح بعد إدراك السّمع لها، فإذا أدركها و لم
يفقهها و لم يقم بمقتضياتها فهو حريّ بالدّعاء عليه بكونه موقورا ثقيلا مع أنّ في
التعبير بهذه اللفظة إشارة إلى غاية نفارهم و استكبارهم و شدّة لجاجهم و عنادهم و نهاية
بغضهم و عداوتهم و منتهى نفرتهم عن قبول الحقّ كما قال عزّ من قائل:
وَ
مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ
كانُوا لا يَعْقِلُونَ وصفهم بالصّمم مع إثبات الاستماع أوّلا من حيث عدم
انتفاعهم بما يستمعون، فهم و الأصمّ على السّواء و ذلك فإنّ الانسان إذا قوى بغضه
لانسان آخر و عظمت نفرته عنه صارت نفسه متوجّهة إلى طلب مقابح كلامه معرضة عن جميع
الجهات الحسن فيه، فالصّمم في الاذن معنى ينافي حصول إدراك الصّوت فكذلك حصول هذا
البغض و الاستكبار و المنافرة كالمنافي للوقوف عن محاسن ذلك الكلام و الاطلاع بما
اريد منه.
ثمّ كما أنّه
لا يمكن جعل الأصمّ سميعا فكذلك لا يمكن جعل العدوّ البالغ إلى هذا الحدّ صديقا
مطيعا، و لذلك اعتذر 7 من عدم تأثير كلامه فيهم بقوله: (و كيف
يراعي النّبأة) أى الصّوت الخفي (من أصمّته الصيحة) إشارة إلى أنّ من لم
يؤثّر فيه كلام اللّه و كلام رسوله الذي هو كالصّيحة المكرّرة عليهم حتّى جعلهم
أصمّ من كثرة التكرار و شدّة الاصرار، كيف يؤثّر فيهم كلامه 7 الذي