من عبد اللّه
أمير المؤمنين إلى الأبترين الأبتر عمرو بن العاص بن وائل، شانئ محمّد و آل محمّد
في الجاهلية و الإسلام، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد، فانّك تركتك مروءتك
لامرء فاسق مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، و يسفّه الحليم بخلطته فصار قلبك
لقلبه تبعا، كما قيل: «وافق شنّ طبقة» فسلبك دينك و أمانتك و دنياك و آخرتك، و كان
علم اللّه بالغا فيك، فصرت كالذّئب يتبع الضّرغام إذا ما اللّيل دجى، أو أتى الصبح
يلتمس فاضل سؤره، و حوايا فريسته، و لكن لا نجاة من القدر، و لو بالحقّ أخذت
لأدركت ما رجوت، و قد رشد من كان الحقّ قائده، و إن يمكّن اللّه منك و من ابن آكلة
الأكباد ألحقتكما بمن قتله اللّه من ظلمة قريش على عهد رسول اللّه 6، و إن تعجزا و تبقيا بعد فاللّه حسبكما، و كفى بانتقامه انتقاما، و بعقابه
عقابا، و السّلام.
الأسد
(المخالب): أظفار السبع من الحيوان، (الفريسة): ما يصيده السبع و يقتله (اجزكما):
اعاقبكما، (وافق شنّ طبقه) أو طبقة: مثل سائر قال في فرائد الأدب: يضرب مثلا
للشيئين يتّفقان، قال الأسمعي: الشنّ وعاء من أدم كان قد تشن أى تقبض فجعل له طبقا
أى غطاء فوافقه، و قيل أيضا: شن رجل من دهاة العرب و كان ألزم نفسه أن لا يتزوّج
إلّا بامرأة تلائمه، فكان يجوب البلاد في ارتياد طلبته، فوافق في بعض أسفاره رجلا
إلى بلاد ذلك الرّجل و هما راكبان فقال له شن: أ تحملني أو أحملك؟ فاستجهله
الرّجل، و إنما أراد أتحدّثني أو أحدّثك لنميط عنا كلال السّفر، و قال له و قد رأى
زرعا مستحصدا: أكل هذا الزرع أم لا؟ و إنّما أراد هل بيع و أكل ثمنه، ثمّ
استقبلتهما جنازة فقال له شن:
أحىّ من على
هذا النعش أم ميّت؟ و إنّما أراد هل له عقب يحيا به ذكره؟ فلمّا بلغ الرّجل وطنه و
عدل بشنّ إليه، سألته بنت له اسمهما طبقة عنه، فعرّفها قصّته