هو المعنى الأوّل بعينه، إلّا أنّ ها هنا
زيادة، و هو أنّه لا يحصر أى
لا يعيا في المنطق، لأنّ من الناس من إذا زلّ حصر عن أن يرجع و أصابه كالفهاهة و العيّ و أضاف ابن
ميثم أنّه لا يأبى للرجوع إلى الحقّ حفظا لجاهه و خوفا من الشناءة كما يفعله قضاة السوء.
5- أن لا يحدّث نفسه
بالطمع في الاستفادة من المترافعين فيتوجّه إلى إلى الأوفر منهم ثروة أو
جاها ليستفيد من ماله أو جاهه، ثمّ يجرّه ذلك إلى أخذ الرشوة و الميل عن الحقّ و الحكم
بخلاف الحقّ.
6- أن يكون
دقيقا في كشف القضيّة المعروضة عليه محقّقا لفهم الحقيقة و لا يكتفي بالنظر السطحي
في فهم صدق المتداعيين و كذبهم، بل يكتنه القضيّة عن طرق كشف الجرم و عن طرق كشف
الحقيقة و هى كثيرة غير محصورة جدّا، و قد ظهر منه 7 في قضاياه الكثيرة
ما يقضي منه العجب.
فممّا ذكر من
ذلك أنّه سافر عبد مع مولا له شابّ فادّعى العبد أثناء السفر أنّه هو المالك
لسيّده و أنّه عبده و عامل معه معاملة المسترقّ فدخلا كوفة و ترافعا عند عليّ 7 و لم يكن هناك بيّنة لأحدهما و لم يعترف العبد المتجاوز للحقيقة بوجه من
الوجوه، فأحضرهما يوما و أمر بحفر ثقبتين في جدار متعاكسا و أمرهما باخراج رأسهما
من تلك الثقبتين، ثمّ نادى بصوت عال يا قنبر اضرب عنق العبد، فلمّا سمع العبد ذلك
هابه و أخرج رأسه من الثقبة فورا فصار ذلك اعترافا له بالحقيقة، و قد قرّر في
محاكم هذه العصور طرائق هائلة في كشف الحقيقة و كشف الجرائم.
فهذه هى
الصفات الّتي توجب فضيلة الفرد و تشكّل له شخصيّة رهيبة تؤهّله لتصدّي منصب
القضاوة، و لم يكتف 7 بهذه الصفات حتّى أكملها بستّة اخرى فقال:
1- أوقف الرعيّة عند عروض الشبهة، فلا يأخذ
بأحد طرفي الشبهة حتّى يفحص و يبيّن له الحقّ بدليل علمي يوجب الاطمينان.