الجند المأمورين لقهر الناس و قتلهم و
أسرهم، فكان الناس من زمن بعيد و في أكثر الشعوب و الامم يواجهون الجندي كعدوّ
ظالم لا ينتظر منه إلّا الايلام و الارهاب فوصّى 7 في ضمن عهده هذا إلى
السعى لقلب هذه الرابطة بين الشعب و الجند و تحويلها إلى رابطة ودّيّة أخويّة أسّس
الاسلام حكومته عليها، فانّه جعل وظائف الجند من الامور العامّة، و كلّف بها جميع
الامّة ففي عصر النبي 6 كلّ المسلمين جنود و جنود الاسلام كلّ
مسلم بالغ عاقل، فالجند الاسلامي ناش عن صميم الامّة فلم يكن هناك جند و شعب
متمايزون حتّى يرهب الشعب من الجند و يتجاوز الجند على الشعب، و لمّا توسّع الامّة
الاسلاميّة بالفتوحات المتواصلة المتوالية و دخل في ظلّ الاسلام شعوب شتّى لم
يتّسم كلّها بسمة الجند الاسلامي وصّى 7 في عهده هذا بحفظ الرابطة
الودّيّة بين الجند و سائر أفراد الشعب بحيث لا يدرك الشعب أنّ الجند صنف ممتاز
عنه قاهر عليه و حاكم على أمره.
وصيته 7 باحياء الفضيلة و حفظ الحقوق
ثمّ أمر 7 بعدم التضييق على امراء الجنود و حصرهم في درجة واحدة، بل التوسيع عليهم
في الارتقاء إلى درجات أعلى بحسب ما لهم من الاستعداد و اللياقة لها فقال 7 (فافسح في آمالهم).
و هذا كما
جرى في التاريخ من أمر طارق بن زياد في ما بعد فانّه أحد الامراء و القوّاد
الأمجاد الأفذاذ في تاريخ الفتوحات الاسلاميّة بلغته همّته إلى فتح الاندلس بعد
استيلاء الجنود الاسلامية على سواحل البحر الأبيض من سوريّة و مصر إلى المغرب
الأقصى إلى المراكش، و يوجب ذلك عبر مضيق جبل الطارق و الزحف على بلاد العدوّ وراء
البحر و لا يرخص موسى بن نصير القائد العامّ للجنود الاسلاميّة في ذلك العصر لقصور
همّته أو غبطته على فتح كهذا من أحد قوّاده، و لكنّ طارق عزم على ذلك و عبر مضيق
البحر في سبعة آلاف جندي و فتح مملكة اندلس، و أتى باية كبيرة من الرجوليّة و علوّ
الهمّة في تاريخ الفتوحات العسكرية فصار اندلس مملكة إسلاميّة غنيّة بالتمدّن و
العلم منذ ثمانية قرون بقيت آثارها