و معناه أنّ معاوية خوّف الأمير 7 و هدّده باستواء
الفريقين في الحرب و الرّجال و أوهم بذلك ثباته في الحرب و بقاءه عليها و عدم
تزلزله و اضطرابه منها و من وقوع كثرة القتلى في عسكره فأجابه الأمير 7
بأنّك إنّما على علم في عدم كونك على حقّ، و يقين في أنّك لست بمحقّ، و إنّما
تقاتل و تحارب لاقتراف حطام الدّنيا و لست على يقين في وصولك إلى ما ترجو و تتمنّى
بل، على شكّ و ترديد فيه، لأنّه أمكن أن تظهر علينا فتصل إلى أمانيّك الدنيّة
الدّنيويّة، و أمكن أن نظهر عليكم فتعاق عنها و تحرم، و كذلك الكلام في أحزابك من
أهل الشام.
و أمّا أنا
فعلى بيّنة من ربّي، و يقين في أنّي على الصّراط المستقيم و ليس بعده إلّا الضّلال
و التّباب، و اقاتل و احارب على يقين في ديني و ليس لى إلّا إحدى الحسنيين إمّا
الظفر عليكم فهو جهاد في سبيل اللّه، و إمّا القتل في سبيل اللّه فمصيره إلى
الجنّة و رضوان اللّه و هكذا الكلام في أصحابي من أهل العراق.
ثمّ من
المعلوم أنّ من يعمل فعلا على شكّ و ترديد فيه ليس بأمضى فيه ممّن يعمله على يقين،
و من يفعل عملا لاقتراف الدّنيا و حصول الأمانيّ الفانية الزائلة ليس بأحرص فيه
ممّن يفعله للتقرّب إلى اللّه تعالى، و الوصول إلى النعم الاخروية الدائمة و
الحياة الباقية و الدّرجات العالية الأبديّة الرّوحانيّة، و أين هذا من ذاك و نعم
ما قاله الأشتر رضوان اللّه عليه في أبياته السالفة آنفا:
طلب الفوز في المعاد و في
ذا
تستهان النفوس و الأموال
فظهر أنّ أهل
الشكّ و التّرديد ليسوا في رتبة أهل اليقين و إن كانوا كثيرين عددا و قد قال عزّ و
جلّ: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ
كَثْرَةُ الْخَبِيثِ (المائدة 101) و قال تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ
قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ (البقرة 250) فما
ادّعاه معاوية من استواء الفريقين في الحرب و الرّجال اختلاق محض فإنّ مثلهما
كالأعمى و الأصمّ و البصير و السميع هل يستويان؟.
و أنّ تهديده
عليّا أمير المؤمنين 7 بما نسجه من استوائهما في الحرب و الرّجال أوهن
من بيت العنكبوت، بل الخوف به أولى و الفزع به أحرى.