أمّا بعد فقد جاءني كتابك تذكر: «أنّك لو علمت و علمنا أنّ الحرب
تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض» نقل كلام معاوية أوّلا فأجابه
بقوله:
فإنّا و
إيّاك منها في غاية لم نبلغها، و إنّي لو قتلت في ذات اللّه و حيّيت ثمّ قتلت ثمّ
حيّيت سبعين مرّة لم أرجع عن الشدّة في ذات اللّه و الجهاد لأعداء اللّه.
و ضمير منها
يرجع إلى الحرب، و كلمة لم تبلغها جاءت في نسخة نصر بتاء الخطاب و في نسخة كنز
الكراجكي بياء الغيبة و في سائر النسخ بنون المتكلّم مع الغير، و الأخير أنسب
بسياق الكلام، و المراد: أنّا نلتمس و ننتظر من الحرب غاية لم نبلغها بعد، أي إنّي
أعلم أنّ الحرب ستشبّ إلى حدّ يكون ما مضى منها دونه.
و كلامه هذا
إذعار معاوية و إرغامه في قبال قوله ذلك، و تهديد و تخويف و ايعاد إيّاه بأنّ أمره
سيئول إلى أشدّ من ذلك و أنّ عاقبته و خيمة و أنّ عاقبة الّذين أساءوا السّوأى، و
إنبائه بنفسه أي إنّي لعلى بصيرة و بيّنة من ربّي و إنّي لعلى الطّريق الواضح، ثمّ
أكّده بقوله: و إنّي لو قتلت في ذات اللّه و حيّيت ثمّ قتلت ثمّ حيّيت سبعين مرّة
لم أرجع عن الشّدّة في ذات اللّه و الجهاد لأعداء اللّه، و أعلمه بذلك ثبات قدمه
في الدّين، و كونه على النهج القويم و الصّراط المستقيم، و عدم بأسه من القتال و
القتل في سبيل اللّه و لو قتل و حيّي سبعين مرّة، و عرّف في أثناء قوله معاوية و
من سلكوا مسلكه و اتّبعوا مأخذه بأنّهم كافرون لأنّهم أعداء اللّه.
و اعلم أنّ أولياء
اللّه لكونهم على بيّنة من ربّهم لا يبالون وقعوا على الموت أو وقع الموت عليهم، و
لا يخافون من القتل في سبيل اللّه و لا من القتال في سبيله، و يعلمون أنّهم لا
يتربّصون بالأعداء إلّا إحدى السوئين، و أنّ الأعداء لا يتربّصون بهم إلّا إحدى
الحسنيين إمّا الفتح و إمّا الشّهادة كما قال اللّه تعالى خطابا لرسوله صلّى اللّه
عليه و اله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَ
نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ
بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (التوبة 53).