و المراد من حقائق الايمان مراتبه لأنّ
الايمان به في كلّ مرتبة كان حقيقة و عقيدة حقّة.
فانّ قول
الأعرابي حيث سئل عن الدّليل علي وجود الصّانع: البعرة تدلّ على البعير و آثار
الأقدام تدلّ على المسير، أ فسماء ذات أبراج و أرض ذات فجاج لا تدلّ على وجود
اللّطيف الخبير، مرتبة من مراتب الايمان، و هو استدلال بالاثار المحوجة إلى السبب
الدّالّ على وجوده تعالى، و هو اعتقاد صدق و ايمان حق.
و قد سلك هذا
المسلك أمير المؤمنين 7 في مقام إرشاد من كان وعاء عقله يقتضي هذا
القدر من الخطاب بقوله: البعرة تدلّ على البعير، و الروثة تدلّ على الحمير و آثار
الأقدام تدلّ على المسير فهيكل علويّ بهذه اللّطافة، و مركز ثفليّ بهذه الكثافة
كيف لا يدلّان على اللّطيف الخبير؟.
و كأنّ قول
الأعرابي مأخوذ من كلامه 7 كما أشار إليه السيد نعمة اللَّه الجزائري
في تعليقته على أوّل كتابه الموسوم بالأنوار النّعمانيّة.
و استدلال
المتكلّمين بحدوث الأجسام و الأعراض على وجود الخالق و بالنظر في أحوال الخليقة
على صفاته تعالى واحدة فواحدة أيضا مرتبة من الإيمان، و هذه المرتبة حقيقة من
حقائق الإيمان.
و هذا طريق
إبراهيم الخليل 7 في مقام هداية العباد، فانّه استدلّ بالافول الّذي هو
الغيبة المستلزمة للحركة المستلزمة للحدوث المستلزم لوجود الصّانع تعالى.
و ما استدلّ
به الحكماء الطبيعيّون من وجود الحركة على محرّك، و بامتناع اتّصال المحرّكات لا
إلى نهاية على وجود محرّك أوّل غير متحرّك، ثمّ استدلّوا من ذلك على وجود مبدء
أوّل أيضا حقيقة من حقائق الايمان و مرتبة من مراتبه و ما استدلّ به طائفة اخرى من
الإلهيّين كالعرفاء الشامخين من ذاته على ذاته من غير الاستعانة بابطال الدّور و
التسلسل، أعني برهان الصديقين حقّ و حقيقة من مراتب حقائق الايمان. و اشير إليه في
الكتاب الإلهي سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصّلت- 55) فعرفوا بذاته ذاته و وحدانيّته شهد اللَّه
أنّه لا إله إلّا هو، و بذاته عرفوا غيره، أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء
شهيد.
و اعلم أنّ
أظهر الموجودات و أجلاها عند أهل البصيرة هو اللَّه تعالى، و يستدلّون بذاته على
وجود غيره لا بالعكس كما هو دأب من لم يصل إلى تلك المرتبة العلياء و قد نطق
ببرهان الصدّيقين على أوضح بيان إمام الموحّدين سيّد الشهداء أبو عبد اللَّه
الحسين 7 في دعاء عرفة: كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أ
يكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتّى تحتاج إلى
دليل يدلّ عليك، و متى بعدت حتّى تكون الاثار هي الّتي توصل إليك- إلخ.
و نعم قال
العارف الشبستري:
رهي نادان كه او خورشيد تابان
ز نور شمع جويد در بيابان
و لا يخفى
أنّ أتمّ مراتب الإيمان و حقائقه هذه المرتبة الأخيرة، و هي أيضا بحسب مراتب
العرفان متفاوتة، و قد كان الفائزون بهذه الرتبة العلياء و النائلون بهذه النعمة
العظمى يكتمونها عن غير أهلها مخافة أن تزلّ أقدام لم تسلك منازل السائرين، و
تضطرب أحلام لم ترق إلى مقامات العارفين.
قد روى الشيخ
الجليل السعيد الصدوق قدّس سرّه في باب ما جاء في الرؤية من كتابه في التوحيد
حديثا في ذلك.
قال: حدّثنا
عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللَّه
الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن عليّ بن
أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه 7 قال: قلت له:
أخبرني عن
اللَّه عزّ و جلّ هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم و قد رأوه قبل يوم
القيامة. فقلت: متى؟ قال: حين قال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (الأعراف
173) ثمّ سكت ساعة ثمّ قال: إنّ المؤمنين ليرونه في الدّنيا قبل يوم القيامة