(و)
ثالث (مصبّر لهم على فقده) أى
يحملهم على الصبر و التحمّل على فقده و فراقه
(يذكرهم اسى الماضين من قبله) بقوله: تلك الرّزيّة ممّا
لا اختصاص لهابكم و لا الموت مخصوصا بهذا المريض بل كلّ حيّ سالك سبيل و كلّ نفس
ذائقة الموت، و قد مضى قبل هذا المريض عالم من النّاس و بقي بعد الأسلاف الأخلاف
فتعزّوا بعزاء اللّه و تسلّوا و اصبروا و لم يكن لهم علاج إلّا أن قالوا: إنّا
للّه و إنّا إليه راجعون، فينبغي لكم التأسّي بالماضين، فانّ لكم فيهم اسوة، و في
هذا المعني قال الشاعر و لنعم ما قال:
و إنّ الاولى بالطف من آل هاشم
تأسّوا فسنّوا للكرام التأسّيا
و قالت
الخنساء:
و ما يبكون مثل أخي و لكن
اسلّي النفس عنه بالتّأسّي
و قد قال
أمير المؤمنين 7 فى المختار المأتين و الواحد الّذى قاله عند دفن
الصّديقة 8: قلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبرى إلّا أنّ لى فى
التّأسى بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعزّ.
(فبينا هو كذلك على جناح) أى على حركة
سريعة فانّ الطّيران بالجناح سبب سرعة الحركة فتجوز عنها (من فراق الدّنيا
و ترك الأحبّة إذ) دهمته فجعات المنية و (عرض له عارض من غصصه) و اعترض فى
حلقه و أخذ بخناقه.
(فتحيّرت
نوافذ فطنته) أى تاهت إدراكات جودته و ذكائه الثاقبة المتعلّقة بمصالح النشأة
الدّنيويّة و الاخرويّة، و فى بعض النسخ: فطنه، بصيغة الجمع، و المراد تبلّد
مشاعره و قواه الدّرّاكة و قصورها عن الادراكات النظرية.
(و يبست
رطوبة لسانه) و جفّ حيله- ريقه- و حيل بينه و بين منطقه فصار بين أهله ينظر
وجوههم و يسمع رجع كلامهم و يرى حركات ألسنتهم و لا يستطيع التّكلّم معهم.
(فكم من
مهمّ من جوابه عرفه فعىّ عن ردّه) أى جواب سائل سأله عن أمر مهم من وصيّه و
وصيّته و دينه و مصارف ماله و قيّم أطفاله و نحو ذلك فعجز عن ردّه.