حال من ضمير إليها و قوله: لرأيت أشجان
قلوب جواب لو مثلتهم.
المعنى
اعلم أنّه
لمّا افتتح كلامه في الفصل السابق بالتّوبيخ و التّعريض على المتكاثرين بالأموات،
و استطرد بشرح حال الموتى في البرزخ و ابانة فظايعهم اتبعه بهذا الفصل للتّنبيه
على بقيّة حالاتهم فقال:
(جيران لا
يتأنّسون و أحبّاء لا يتزاورون) يعنى أنّهم جيران لقرب قبورهم
و لكن لا يقدرون على الاستيناس، لأنّ الموانسة من صفات الأحياء، و أحبّاء لقرب
أبدانهم فيها أو لمحابتهم في دار الدّنيا و لكن لا يستطيعون التّزاور لأنّ
الزّيارة من حالات المتّصفين بالحسّ و الحياة و هو عبارة اخرى لقوله 7
في بعض كلماته تدانوا في خططهم و قربوا فى مزارهم و بعدوا في لقائهم.
(بليت
بينهم عرى التّعارف و انقطعت منهم أسباب الاخاء) يعنى أنّهم مع ما
كانوا عليه في الدّنيا من معرفة بعضهم بعضا و المحبّة و المودّة و الاخوّة الّتي
كانت بينهم، فقد بليت عراها يعنى وصلها و اندرست و انقطعت حبالها و انفصمت بحلول
الموت و نزول الفناء و الفوت.
(فكلّهم
وحيدوهم جميع و بجانب الهجر و هم أخلاء) أى كلّ واحد منهم وحيد حقيقة و هم
مع ذلك مجتمعون صورة لاجتماع مقابرهم، و كلّ منهم في جانب الهجر واقعا مع خلّتهم
ظاهرا بمقتضى قرب الجوار، أو المراد بالاجتماع و الخلّة ما كانوا عليه في الدّنيا
من المودّة و الصّداقة و الأوّل أظهر، و قد أشار إليه الشريف الرّضى في قوله:
بادون في صور الجميع و أنهم
متفرّدون تفرّد الاحاد
قال الشّارح
المعتزلي: فان قلت: ما معنى قوله: بجانب الهجر، و أىّ فايدة في
لفظة جانب في هذا الموضع؟
قلت: لأنّهم
يقولون: فلان في جانب الهجرة و في جانب القطيعة و لا يقولون في جانب الوصل و في
جانب المصافاة، و ذلك أنّ لفظة جنب في الأصل موضوع للمباعدة و منه قولهم: الجار
الجنب و هو جارك من قوم غرباء يقال: جنب الرّجل