(ثمّ جعل سبحانه من حقوقه حقوقا
افترضها لبعض الناس على بعض) و جعلها من حقوقه لافتراضها
من قبله تعالى و فى القيام بها إطاعة له و امتثال لأمره، فتكون بهذا الاعتبار من
حقوقه الواجبة على عباده، و هذه الجملة توطئة و تمهيد لما يريد أن ينبّه عليه من
كون حقه 7 واجبا عليهم من قبله تعالى و كون القيام به اطاعة له عزّ و
علا فيكون ذلك أدعى لهم على أدائه.
(فجعلها) أى تلك
الحقوق التي بين الناس (تتكافؤ) و تتقابل (فى وجوهها) أى جعل كلّ
وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحقّ الوالى على الرعيّة مثلا و هو
الطاعة مقابل بمثله فهو العدل و حسن السيرة الذى هو حقّ الرّعية على الوالى (و يوجب
بعضها بعضا و لا يستوجب) أى لا يستحقّ (بعضها إلّا ببعض) كما أنّ
الوالى إذا لم يعدل لا يستحقّ الطاعة و الزّوجة إذا كانت ناشزة لا يستحقّ النّفقة.
و لمّا مهّد
ما مهّد تخلّص إلى غرضه الأصلي فقال (و أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق) المتكافئة (حقّ
الوالي على الرّعيّة و حقّ الرّعيّة على الوالي) و إنّما كان من أعظم
الحقوق لكون مصلحته عامّة لجميع المسلمين و باعثا على انتظام أمر الدين.
و لذلك أكّده
بقوله (فريضة فرضها اللّه سبحانه لكلّ على كلّ) و أشار إلى وجوه
المصلحة فيها بقوله (فجعلها نظاما لألفتهم و عزّا لدينهم) لأنّها سبب
اجتماعهم و بها يقهرون أعداءهم و يعزون أديانهم (فليست تصلح
الرّعيّة إلّا بصلاح الولاة) كما هو المشاهد بالعيان و التجربة و شهدت
عليه العقول السّليمة (و لا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرّعيّة) في الطاعة
إذ بمخالفتهم و عصيانهم يؤل جمعهم إلى الشّتات و حبل نظامهم إلى التّبات.
(فاذا أدّت
الرّعيّة إلى الوالي حقّه) و أطاعوه (و أدّى الوالي
إليها حقّها) و عدل (عزّ الحقّ بينهم) أى يكون عزيزا (و قامت
مناهج الدّين) و سبله (و اعتدلت معالم العدل) أى مظانّه أو
العلامات الّتي نصبت في طريق العدل لسلوكه (و جرت على أذلالها السّنن) أى جرت على
محاجّها و مسالكها بحيث لا تكون فيها اعوجاج