اعلم أنّ
الغرض الأصلى من هذا الفصل من الخطبة الشريفة هو النصح و
الموعظة و الوصية بالتقوى و الطاعة و الترغيب عليهما بالتنبيه على عظم
ما يترتب عليهما من الثمرات و المنافع المرّغبة، و براعة الاستهلال صدّر الفصل
باقتضاء صناعه البلاغة و رعاية براعة الاستهلال بذكر إحاطة علمه بجزئيات
الموجودات تنبيها به على أنه عزّ و جلّ لا يخفى عليه طاعة المطيعين و معصية
المذنبين فقال 7:
(يعلم عجيج
الوحوش في الفلوات) أى صياحها فيها بالتسبيح و رفع أصواتها إلى عزّ جنابه
تبارك و تعالى بالتّقديس و تضرّعها إليه سبحانه في إنجاح طلباتها و تنفيس كرباتها
و سؤالها منه لدفع شدايدها.
و فيه حثّ
للمخاطبين على الطلب و السّؤال و التّضرّع و الابتهال و الانابة إليه عزّ و علا
على كلّ حال، لأنهم أولى بذلك من الحيوانات العجم.
و يشهد بذلك
الحديث الذي قدّمناه: أفضل الأعمال إلى اللّه العجّ و الثجّ.
و فى حديث
آخر مروىّ فى الوسايل من الكافي عن حريز رفعه قال: إنّ رسول اللّه 6 لمّا أحرم أتاه جبرئيل فقال له: مر أصحابك بالعجّ و الثجّ، و العجّ رفع
الصّوت بالتلبية، و الثجّ نحر البدن.
و فى الكافي
في كتاب الدّعاء باسناده عن حنان بن سدير عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر 7: أىّ العبادة أفضل؟ قال: ما من شيء أفضل عند اللّه عزّ و جلّ من أن يسأل
و يطلب ممّا عنده، و ما أحد أبغض إلى اللّه عزّ و جلّ ممّن يستكبر عن عبادته و لا
يسأل ما عنده.
و فيه عن
عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه 7 قال
سمعته يقول: ادع و لا تقل قد فرغ من الأمر، فانّ الدّعاء هو العبادة إنّ اللّه عزّ
و جلّ يقول إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ داخِرِينَ و قال: