و أيضا
(ف) كما أنّ راكبى السّفينة بعد ما انكسرت بالقواصف على
قسمين:
قسم (منهم
الغرق الوبق) الهالك في غمار البحر (و) قسم (منهم النّاجي) من الغرق
على بعض أخشاب السّفينة و ألواحها (على متون الأمواج) المتلاطمة المتراكمة (تحفزه) و تدفعه (الرّياح) العاصفة و
الزّعازع القاصفة (بأذيالها) من جنب إلى جنب (و تحمله على
أهوالها) و تسوقه من رفع إلى خفض و من خفض إلى رفع.
فكذلك أهل
الدّنيا ينقسم إلى قسمين: أحدهما الهالك عاجلا بغمرات الالام و طوارق الأوجاع و
الأسقام، و الثّاني النّاجي من الهلاك بعد مكابدة تعب الأمراض و مقاساة مرارة
العلل.
و أيضا (ف) كما أنّ
مجاز- تشبيه (ما غرق منها) أى من السّفينة و أراد به الغريق من أهلها
مجازا (فليس بمستدرك) أى ممكن التدارك (و ما نجى منها) أى النّاجي
من أهلها (ف) عاقبته (إلى مهلك) أى إلى الهلاك و إن
عاش يسيرا.
فكذلك أهل
الدّنيا من مات منهم لا يتدارك و لا يعود، و من حصل له البرء و الشفاء من مرضه و
نجا من الموت عاجلا فماله إليه لا محالة آجلا و إن تراخى أجله قليلا.
و الغرض من
هذه التشبيهات كلّها التّنفير عن الدّنيا و التنبيه على قرب زوالها و تكدّر عيشها
و مرارة حياتها ليرغب بذلك كلّه إلى العمل للدّار الاخرة، و لذلك فرّع عليه قوله:
(عباد
اللّه الان فاعملوا) أى بادروا العمل و استقربوا الأجل و لا يغرّنّكم طول
الأمل (و الألسن مطلقة) متمكنة من التّكلم بما هو فرضها من القراءة و
الذكر و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و نحوها قبل ثقلها و اعتقالها بالمرض
الحايل بينها و بين منطقها كما في حالة الاحتضار.
(و الأبدان
صحيحة) مقتدرة على الاتيان بالتكاليف الشّرعيّة قبل سقمها و عجزها منها.
(و
الأعضاء) و الجوارح (لدنة) لينة ببضاضة الشّباب
و غضارة الصحّة قادرة على