(و) بذلك كلّه ظهر أيضا معنى قوله: (لا يقطعه الظّهور عن البطون) و
أمّا قوله (قرب فنأى)
فالمراد به أنّه قرب من
الخلق بالعلم و الاحاطة و بالرّحمة و الافاضة، و بعد عنهم بالذّات و الحقيقة و ليس
قربه قربا مكانيّا حتّى ينافي لبعده، و لا بعده بعدا مكانيّا بتراخى مسافة حتّى
ينافي لقربه.
(و علا
فدنا) أى علا بحوله و قدرته و غلبته و سلطانه و دنا بطوله و
فضله و مننه و احسانه كما مرّ التصريح به منه 7 في الخطبة الثّانية و
الثمانين، و يجوز أن يراد علوّه على الأشياء بجلاله و عزّته و دنوّه منها بعلمه و
احاطته، و أن يراد بالعلوّ العلوّ بالعليّة و بالدّنوّ قربه من الأشياء قرب العلّة
من معلولها، و هذا هو الأولى بالارادة هنا و أنسب بعطفه الدّنوّ على العلوّ بالفاء
المفيدة لتفريعه عليه فافهم جيّدا و قد مضى تحقيق ذلك في شرح الخطبة التّاسعة و
الأربعين.
(و ظهر
فبطن) أى ظهر على الأشياء بسلطانه و عظمته، و بطن في الأشياء بعلمه و
معرفته (و بطن فعلن) أى خفى بذاته و كنهه و ظهر باثاره و آياته، و
هاتان الفقرتان تأكيدتان للفقرتين المتقدّمتين، فانّه لمّا نبّه فيهما على عدم حجب
بطونه عن ظهوره و ظهوره عن بطونه نبّه هنا على ما يستلزمه عدم الحجب و هو اتّصافه
بهما معا روى في الكافي في باب الفرق بين المعاني الّتي تحت أسماء اللّه تعالى و
أسماء المخلوقين عن عليّ بن محمّد مرسلا عن أبي الحسن الرّضا 7 قال:
قال:
و أمّا
الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها و قعود عليها و تسنّم لذراها، و
لكن ذلك لقهره و غلبته الأشياء و قدرته عليها، كقول الرّجل ظهرت على أعدائى و
أظهرنى اللّه على خصمى، يخبر عن الفلج و الغلبة فهكذا ظهور اللّه على الأشياء، و
وجه آخر أنّه الظّاهر لمن أراده و لا يخفى عليه شيء و أنّه مدبّر لكلّ ما برء
فأىّ ظاهر أظهر و أوضح من اللّه تبارك و تعالى، لأنّك لا تعدم صنعته حيثما توجّهت
و فيك من آثاره ما يغنيك، و الظّاهر منّا البارز بنفسه و المعلوم بحدّه فقد جمعنا
الاسم و لم يجمعنا المعنى.