و لما نبّه
على عدم خلوّ الأمكنة منه عزّ و جلّ أردفه بالتنبّه على عدم خلوّ الأزمنة منه
فقال:
(و في كلّ
حين و زمان) بالعلم و الاحاطة أيضا لا بمعنى ظرفيّته له، لأنّ الكون فيه بمعنى
الظرفية مستلزم للحدوث المنافي للوجوب، فالواجب الأوّل تعالى منزّه عن ذلك، و قد
تقدّم مزيد تحقيق لذلك في شرح الخطبة المأة و الخامسة و الثمانين (و مع كلّ
إنس و جانّ) لا معيّة بالاقتران بل بمعنى كونه عالما بهم شاهدا عليهم غير غايب
عنهم كما قال عزّ من قائل أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما
فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا
هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ
وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما
عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ و قد مرّ
مزيد تحقيق لهذا المعنى في شرح الفصل الخامس و السادس من الخطبة الاولى، هذا.
و لما شوّق
المخاطبين إلى الطلب و السؤال بالتنبيه على عموم علمه بحالات السائلين و حاجات
الطالبين و عدم خفاء شيء منها عليه أكد تشويقهم بالتنبيه على سعة جوده فقال:
(لا يثلمه
العطاء و لا ينقصه الحباء) أى لا يوجب كثرة عطائه و مزيد حبائه خللا و
نقصا في خزانة كرمه و بحر جوده، و ذلك لعدم تناهى مقدوراته.
و يوضح ذلك
ما فى الحديث المرويّ فى الكافي عن أبي عبد اللّه 7 قال:
إنّ اللّه
عزّ و جلّ يقول: فلو أنّ أهل سماواتي و أهل أرضي أمّلوا جميعا ثمّ أعطيت كلّ واحد
منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة، و كيف ينتقص ملك أنا
قيّمه، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي، و يا بؤسا لمن عصانى و لم يراقبني.
و بذلك
الحديث أيضا اتّضح معنى قوله (لا يستنفده سائل و لا يستقصيه نائل) أى لا ينفى
جوده سائل و إن بلغ الغاية فى طلبه و سؤاله، و كذا لا يبلغ القصوى و
الغاية عطاؤه و نواله بل لو وهب ما تنفّست عنه معادن الجبال و ضحكت عنه أصداق
البحار من فلزّ اللّجين و العقيان و نثارة الدّر و حصيد المرجان ما أثّر ذلك فى
جوده و لا