استعاره
(فصدع بالحقّ) امتثالا لما كان مامورا به بقوله عزّ و جلّ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ و أصل الصّدع عبارة
عن كسر الزّجاجة و شقّها و تفريقها، فاستعير عنه للبيان الواضح و التبليغ الكامل،
و الجامع التأثّر.
و قد قيل في
تفسير الاية: أنّ معناها أبن الأمر إبانة لا تنمحى كما لا يلتئم كسر الزّجاجة، و
قيل: أفرق بين الحقّ و الباطل، و قيل: شقّ جماعاتهم بالتّوحيد أو بالقرآن.
(و نصح
للخلق) بصرفهم عن الرّدى إلى الهدى و ردّهم عن الجحيم إلى النعيم (و هدى
إلى الرّشد) أى إلى الصّواب و السّداد في القول و العمل (و أمر بالقصد) أى بالعدل
في الامور المصون عن الافراط و التّفريط، و يحتمل أن يكون المراد به قصد السبيل
الموصل إلى الحقّ أى الصّراط المستقيم 6 ثمّ
نبّه المخاطبين على عدم كونه تعالى في خلقهم و ايجادهم لاغيا عابثا فقال (و اعلموا
عباد اللّه أنّه لم يخلقكم عبثا) تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، و انما خلقكم
للمعرفة و العبوديّة كما قال وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
(و لم
يرسلكم هملا) أى لم يترككم سدى مهملين كالبهائم و الأنعام، و إنّما كلّفكم
بالتكاليف و الأحكام (علم مبلغ نعمه) و مقدارها كمّا و كيفا (عليكم و
أحصى إحسانه) و فضله (إليكم) ليبلوكم أ تشكرونه أم تكفرون و من شكر فانّما
يشكر لنفسه و من كفر فانّه غنىّ كريم (فاستفتحوه) أى اطلبوا منه فتح
أبواب النّعم (و استنجحوه) أى اطلبوا منه نجاح عوائد المزيد و القسم (و
اطلبوا) منه متضرّعين (إليه) أن يصرف عنكم ما لا
يصرفه أحد غيره من عذاب النّار و سخط الجبّار.
(و
استمنحوه) أى اطلبوا منه أن يعطيكم ما لا يعطيه أحد غيره من فوز الجنان و رضى
الرّحمن، و طلب ذلك كلّه منه سبحانه إنما هو بالقيام بمراسم الحمد و الشكر و
بالمواظبة على وظايف الطّاعات و القربات الّتي بها يستعدّ لافاضة الرّحمة و نزول
الخيرات، هذا.