و لم يزل منهم في عناء شديد و حروب متصلة
حتى أكرمه اللّه تعالى و أيّده و نصر دينه و أظهره، انتهى.
و محصّل
الكلام أنه 6 قد كابد الشدائد و قاسى الهموم و تجرّع الغصص
لتأسيس أساس الاسلام و تشييد قوائم الدّين، هذا.
و انما مهّد
7 تلك المقدّمة أعني مقدّمة البعثة لأنّه لما كان غرضه الأصلى من هذه
الخطبة التحذير من المنافقين الذين كان همّهم في إبطال الدّين و ترويج الباطل،
أراد أن ينبّه على مزيد خبث طينتهم الموجب لمزيد الحذر منهم حيث إنهم يريدون
ليطفؤا نور اللّه، و يبطلوا الدّين القويم الذى قد قوسي فيه هذه المكاره، و احتمل
تلك المشاق الكثيرة.
و قبل
التحذير منهم أوصى المخاطبين بما لا يزال يوصى به فقال (اوصيكم عباد
اللّه بتقوى اللّه) و التصلّب في الدّين (و أحذّركم) من كيد (أهل
النفاق) و خديعة الخائنين أى الذين أظهروا الاسلام و أبطنوا الكفر.
و الظاهر أنّ
غرضه 7 منه التعريض على معاوية و عمرو بن العاص و أمثالهما من
المنتحلين للاسلام، و يشعر بذلك قوله 7 في عهده الاتي في المتن إلى
محمّد بن أبي بكر حين قلّده مصر حيث قال فيه متعرّضا على معاوية:
فانه لا سواء
إمام الهدى و إمام الرّدى، و وليّ النبيّ و عدوّ النبيّ، و لقد قال لي رسول اللّه
6 إني لا أخاف على امتى مؤمنا، و لا مشركا، أمّا المؤمن
فيمنعه اللّه بايمانه، و أمّا المشرك فيقمعه اللّه بشركه، و لكنّي أخاف عليكم كلّ
منافق الجنان، عالم اللّسان، يقول ما تعرفون، و يفعل ما تنكرون.
و لما حذّر
عن المنافقين اتبعه بذكر مذامّهم و مثالبهم تنفيرا عنهم و قال (فانّهم
الضالّون) عن الصراط المستقيم و النهج القويم (المضلّون) لغيرهم عنه
بالشبه و التمويه (و الزّالون المزلّون) أى الخاطئون الموقعون لغيرهم فى
الخطاء أيضا.
(يتلوّنون
ألوانا) أى يتغيّرون فى أقوالهم و أفعالهم من حال إلى حال بحسب