قال: و قال بعض الشارحين: إنما يريد
بالحفظ أنّه يحفظ
عباده و يحرسهم و لا يتحفّظ
منهم أى لا يحتاج إلى حراسة نفسه منهم و هو بعيد الارادة هنا، انتهى.
أقول: الحفظ
قد يطلق على الحفظ عن ظهر القلب يقال حفظ القرآن إذا وعاه على ظهر قلبه. و قد يطلق
على الحراسة و الوقاية من المكاره يقال حفظه أي حرسه و التحفّظ هو قبول الحفظ عن
الغير على كون تاء التفعل للمطاوعة أو تكلّف الحفظ كما في قولك تحلّم زيد، أي
استعمل الحلم و كلّف نفسه إيّاه ليحصل، فمعنى التكلّف هو أن يتعانى الفاعل ذلك
الفعل ليحصل بمعاناته فيقتضي أن يكون الفعل غير ثابت للفاعل و يكون الفاعل طالبا
لتحصله بالممارسة، و قال في القاموس التحفّظ هو الاحتراز و فسّر الاحتراز كالتحرّز
بالتوقّى و لعلّه مبنيّ على جعل تاء للاتّخاذ فمعنى التحفظ هو اتّخاذ الحفظ أى
اتّخاذ الحرز و الوقاية.
إذا عرفت ذلك
فأقول: إنّ الحفظ قد استند إلى اللّه سبحانه في غير واحدة من الايات قال تعالى إِنَّا
زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ
شَيْطانٍ مارِدٍ و قال هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ
عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ و قال إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ
لَحافِظُونَ و قال إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ و قال وَ
رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره.
و الحفيظ و
الحافظ من جملة اسمائه الحسنى فلا غبار في وصفه سبحانه بالحفظ على المعنى الثّاني
أعني الوقاية و الحراسة، و هو المراد به في الاية الاولى و الثانية و الثالثة أيضا
و في غيرها احتمالا، مجاز من باب اطلاق اسم الملزوم على اللّازم [يحفظ و لا يتحفّظ]
و أمّا على المعنى الأوّل أعنى الحفظ عن ظهر القلب فلا، لأنّه سبحانه منزّه عن
القلب و الجوارح اللّهم إلّا أن يراد به العلم مجازا، لأنّه بهذا المعنى مستلزم
للعلم، فالحفيظ هو العليم و الحافظ هو العالم اطلق اسم الملزوم على اللّازم
تجوّزا.
قال في
القاموس: و الحفيظ في الأسماء الحسنى الذي لا يعزب عنه شيء في السماوات و لا في
الأرض تعالى شأنه.