ادّعوا، و لا تحقيق لما أوعوا، و هل
يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان. و إن شئت قلت في الجرادة إذ خلق لها
عينين حمراوين، و أسرج لها حدقتين قمراوين، و جعل لها السّمع الخفيّ، و فتح لها
الفم السّويّ، و جعل لها الحسّ القويّ، و نابين بهما تقرض، و منجلين بهما تقبض،
يرهبها الزّرّاع في زرعهم، و لا يستطيعون ذبّها و لو أجلبوا بجمعهم، حتّى ترد
الحرث في نزواتها، و تقضي منه شهواتها، و خلقها كلّه لا يكون إصبعا مستدقّة.
فتبارك اللّه الّذي يسجد له من في السّموات و الأرض طوعا و كرها و يعفّر له خدّا و
وجها، و يلقي إليه بالطّاعة سلما و ضعفا، و يعطي له القياد رهبة و خوفا، فالطّير
مسخّرة لأمره، أحصى عدد الرّيش منها و النّفس، و أرسى قوائمها على النّدى و اليبس،
و قدّر أقواتها، و أحصى أجناسها، فهذا غراب، و هذا عقاب، و هذا حمام، و هذا نعام،
دعا كلّ طائر باسمه، و كفل له برزقه، و أنشأ السّحاب الثّقال فأهطل ديمها، و عدّد
قسمها، فبلّ الأرض بعد جفوفها، و أخرج نبتها بعد جدوبها.