ثمّ غاب بعد
ذلك و خرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب 7 ما أقام فكانت الغيبة
الثانية أشدّ عليهم من الاولى، و كانت نيفا و خمسين سنة، و اشتدّت البلوى عليهم.
و استتر
الفقيه فبعثوا إليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنّا، فخرج إلى بعض الصحارى و
استدعاهم و طيّب نفوسهم و أعلمهم أنّ اللّه عز و جلّ أوحى إليه أنّه مفرّج عنهم
بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد للّه، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه قل لهم
قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد للّه، فقالوا: كلّ نعمة من اللّه، فأوحى اللّه
إليه قل لهم: قد جعلتها عشرين سنة، فقالوا: لا يأتي بالخير إلّا اللّه، فأوحى
اللّه تعالى إليه قل لهم: قد جعلتها عشرا، فقالوا: لا يصرف السوء إلّا اللّه،
فأوحى اللّه إليه قل لهم:
لا تبرحوا
فقد أذنت لكم في فرجكم.
فبيناهم كذلك
إذ طلع موسى 7 راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به
فيه، و جاء موسى 7 حتّى وقف عليهم فسلّم عليهم فقال له الفقيه:
ما اسمك؟
قال: موسى، قال: ابن من؟ قال: ابن عمران، قال: ابن من؟ قال:
ابن فاهت بن
لاوى بن يعقوب، قال: بما ذا جئت؟ قال: جئت بالرّسالة من عند اللّه عزّ و جلّ، فقام
إليه فقبّل يده ثمّ جلس بينهم فطيّب نفوسهم و أمرهم أمره ثمّ فرّقهم، فكان بين ذلك
الوقت و بين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة.
(فصاروا) أى المؤمنون
بعد غرق فرعون و جنوده (ملوكا حكاما و أئمة أعلاما) كما يدلّ عليه قوله
سبحانه في سورة القصص وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا
فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ.
قال الطبرسى:
المعنى أنّ فرعون كان يريد إهلاك بنى اسرائيل و إفنائهم و نحن نريد أن نمنّ عليهم
و نجعلهم أئمة أى قادة و رؤساء في الخير يقتدى بهم عن ابن عباس، و قيل:
نجعلهم ولاة و ملوكا عن قتادة، و هذا القول مثل الأوّل، لأنّ الذين جعلهم اللّه
ملوكا فهم أئمة و لا يضاف إلى اللّه سبحانه ملك من يملك الناس ظلما و عدوانا، و قد
قال سبحانه فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ
آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً و الملك