و ليس المراد
نفى مطلق السبب للعصبيّة، لما قد مرّ في شرح الفصل الأوّل و الثالث من الخطبة من
أنّ سبب تعصّبهم و ثوران الفتنة بينهم هو اعتزاء الجاهلية الّذى كان بينهم، و
إنّما المراد نفى سبب ذلك الاعتزاء، يعنى أنكم تتعصّبون لأمر و هو
الاعتزاء ليس لذلك الأمر سبب معروف ظاهر مقبول و لو عند الجهال فاذا لم يكن
للاعتزاء سبب مقبول تكون سببيّته للعصبيّة أيضا سخيفة هيّنة، فيكون تعصّبهم له
بمنزلة التعصّب لا لعلّة، هذا.
و لما ذكر
اجمالا أنّ تعصّب كلّ متعصّب من العالمين فانّما هو علّة مقتضية له أراد تفصيل ذلك
الاجمال بالاشارة إلى بعض علل التعصّب الناشى من المتعصّبية فقال:
(أما
إبليس) اللعين و هو رئيس المتعصّبين و المستكبرين (فتعصّب على آدم
لأصله) و استكبر عليه بشرف جوهره على زعمه لكونه مخلوقا من النار (و طعن
عليه فى خلقته) لكونه مخلوقا من الطين، ففضل نفسه عليه قياسا للفرع على الأصل فى
الشرف و الخسة (فقال أنا نارىّ و أنت طيني) فكانت علة تعصّبه
أنه تعزّز بخلقة النار و استوهن خلق الصلصال.
روى في
الكافى عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه 7 قال: إنّ الملائكة يحسبون
أنّ ابليس منهم و كان فى علم اللّه أنّه ليس منهم فاستخرج ما فى نفسه بالحميّة و
الغضب، فقال خلقتنى من نار و خلقته من طين.
و قد مرّ
تفصيل الكلام فى قياسه و بطلان قياسه فى شرح الفصل الحادى عشر من المختار الأوّل و
شرح الفصل الأوّل من هذا المختار الذى نحن بصدد شرحه، من أراد الاطلاع عليه
فليراجع الفصلين.
(و أمّا
الأغنياء من مترفة الأمم) أى الامم المترفة و هم الذين
أطغتهم النعمة أو المتنعّمون الذين لا يمنع من تنعّمهم أو المتروكون يصنعون ما
يشاؤن و لا يمنعون (فتعصّب و الاثار مواقع النعم).