(و عن ذلك ما حرس اللّه عباده المؤمنين
بالصّلوات و الزّكوات و مجاهدة الصيام في الأيام المفروضات)
إلى أنّ وجود هذه المفاسد في الكبر صار علّة و منشئا لجعل تلك العبادات، فانها
لاشتمالها على التواضع و التّذلّل المنافي للكبر و المضادّ له أمر اللّه سبحانه
عباده المؤمنين بها حراسة لهم و حفظا عن الكبر و مفاسده العظيمة، و حثّا على
التواضع و مصالحه الخطيرة كما أمر بالحجّ مع ماله من الكيفيّات المخصوصة و باتباع
الرّسل مع ما لهم من الذّل و المسكنة لهذه النكتة أيضا حسبما عرفت في الفصل
المتقدّم تفصيلا.
أما اشتمال
الصلاة على التواضع و تنافيها للتكبّر فلكون مدارها بأفعالها و أركانها و أجزائها
و شرايطها على ذلك كما يأتي ذكره في كلامه 7.
و أمّا كون
ذلك علّة لجعلها و تشريعها فيدلّ عليه صريحا ما رواه في الفقيه قال:
كتب الرضا
علي بن موسى 8 إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله:
انّ علّة
الصلاة أنها إقرار بالرّبوبيّة للّه تعالى، و خلع الانداد و قيام بين يدي الجبّار
جل جلاله بالذّل و المسكنة و الخضوع و الاعتراف و الطلب للاقالة من سالف الذّنوب،
و وضع الوجه على الأرض كلّ يوم إعظاما للّه عزّ و جلّ، و أن يكون ذاكرا غير ناس و
لا بطر، و يكون خاشعا متذلّلا راغبا طالبا للزّيادة في الدّين و الدنيا، مع ما فيه
من الايجاب و المداومة على ذكر اللّه بالليل و النهار لئلا ينسي العبد سيّده و
مدبّره و خالقه، فيبطر و يطغى، و يكون في ذكره لربّه و قيامه بين يديه زجرا عن
المعاصي و مانعا له من الفساد.
و هذه
الرواية[1] كما دلّت
على كون الصلاة مانعة من الكبر، فكذا دلّت
[1] و التذييل بهذا الكلام نظرا إلى جعل الضمير فى قوله( ع)
فانها مصيدة ابليس راجعا الى البغى و الظلم و الكبر جميعا لا الاخير فقط و إلى جعل
المشار إليه بقوله و عن ذلك ما حرس اللّه مساورة جميع هذه المعاصى الثلاث للقلوب
لا الى مساورة خصوص الكبر فتدبر جيدا« منه ره»