(و) لكنه لم
يتعلّق إرادته بها فلم يفعلها و لم تقع إذ (لو فعل) لترتّب عليه مفاسد
كثيرة و امور كلّها خلاف مقتضى الحكمة الالهيّة و النظم الأصلح و هى ستّة امور:
أحدها ما
أشار إليه بقوله (لسقط البلاء) أى لو وقع هذه الأمور لسقط ابتلاء
المتكبّرين بالمستضعفين من الأنبياء و المرسلين و ارتفع اختبارهم بهم، إذ مع
وقوعها ارتفع الضعف عنهم و انتفى علّة الاستضعاف (و) ثانيها أنه (بطل
الجزاء) لأنّ الجزاء مترتّب على التسليم للأنبياء و على امتثال
التكاليف الالهيّة على وجه الخلوص، و مع كون الأنبياء حين بعثهم بزينة الملوك و
السلاطين يكون الانقياد لهم و امتثال أو امرهم و نواهيهم عن رغبة مائلة أو رهبة
قاهرة، فلا تكون طاعتهم عن إخلاص حتى يستحقّ المطيعون للجزاء كما هو واضح لا يخفى.
(و) ثالثها أنه (اضمحلّت
الأنباء) اى أخبار الأنبياء، و المراد باضمحلالها انمحاؤها و ذهاب أثرها.
و ذلك لأنّ
الغرض الأصلى من بعثهم و رسالتهم أن يجذبوا الخلق إلى الحقّ الأوّل عزّ و جلّ و
يزهّدوهم عن الدّنيا و يرغّبوهم في الاخرة، فاذا فتحت لهم أبواب الكنوز و المعادن،
و اشتغلوا بزخارف الدّنيا و كانوا بزّى أهلها لم يؤثّر موعظتهم في القلوب و لم يبق
وقع للرسالة عند الناس، و لا وجدوا للمبعوثين إليهم مقالا و تعريضا عليهم بأن
يقولوا يا أيّها الرّسل لم تقولون ما لا تفعلون، أنتم تزهّدونا عن الدّنيا و
ترغبون فيها، و ترغّبونا في الاخرة و اشتغالكم بغيرها، فيبطل بذلك المقصود الأصلى
من البعث و اضمحلّت الرسالة إذا هذا.
و قال الشارح
البحراني في وجه اضمحلال الأنباء ما محصّله: إنّ الأنبياء و إن كانوا أكمل الخلق
نفوسا و أقواهم استعدادا لقبول الكمالات النفسانية، إلّا أنهم محتاجون إلى
الريّاضة التّامة بالاعراض عن الدّنيا و طيباتها و هو الزهد الحقيقى،