حقيقت- استعاره
(و خلطتم بصحّتكم مرضهم) أى
خلطتم بصحة قلوبكم مرض قلوبهم فحذف المضاف و اقيم المضاف إليه
مقامه، و المراد بصحّة القلوب سلامتها لقبول الحقّ، و بمرضها فتورها عن قبوله كما
أنّ المرض في البدن هو فتور الأعضاء.
قال تعالى فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً قال الزمخشرى في
الكشاف:
استعمال
المرض في القلب يجوز أن يكون حقيقة و مجازا فالحقيقة أن يراد الألم كما تقول في
جوفه مرض، و المجاز أن يستعار لبعض أعراض القلب كسوء الاعتقاد و الغلّ و الحسد و
الميل إلى المعاصى و العزم عليها و استشعار الهوى و الجبن و الضعف و غير ذلك مما
هو فساد و آفة شبيهة بالمرض، كما استعيرت الصحّة و السّلامة في نقايض ذلك و المراد
به ما في قلوبهم من سوء الاعتقار و الكفر أو من الغلّ و الحسد و البغضاء، لأنّ
صدورهم كانت تغلى على رسول اللّه 6 و المؤمنين غلّا و
حنقا و يبغضونهم البغضاء الّتي وصفها اللّه في قوله قَدْ بَدَتِ
الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ و يتحرّقون
عليهم حسدا إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ.
(و أدخلتم
في حقكم باطلهم) المراد بالحقّ هو الايمان و التعبّد بالعبادات الموظفة و المواظبة
على صالح الأعمال، و بالباطل ما يقابل ذلك مما يؤدّى إلى الهلكات و يحلّ في
الورطات من الكذب و النفاق و البخل و الحسد و الكبر و غيرها من الرذائل.
(و هم اساس
الفسوق) أى هؤلاء الأدعياء الذين نهيتكم عن طاعتهم أصل الفسوق و عليهم
ابتناؤه، و المراد بالفسوق إمّا خصوص الكذب كما في قوله تعالى فَلا
رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِ على ما فسّر به في
غير واحد من الأخبار، و كونهم أصلا له بما فيهم من وصف النّفاق الملازم للكذب إذ
المنافقون يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، أو مطلق الخروج عن طاعة اللّه و هو
الأظهر.
(و أحلاس
العقوق) أى ملازمو العقوق لزوم الحلس للبعير، و المراد بالعقوق مخالفة
الرسول 6 و الإمام من بعده و ترك متابعتهم و الخروج عن
طاعتهم الواجبة بقوله عزّ و جلّ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و إنما عبّر عن مخالفتهما 8
بالعقوق لأنهما أبوا هذه الامّة.