و العظمة و الرفعة على الخلق مثير
للفساد، مؤدّ إلى الحرب و الجدال، لأنّ المتكبّر لا يقدر أن يحبّ للمؤمن ما يحبّ
لنفسه و لا يتمكّن من ترك الرذائل كالحقد و الحسد و التقدّم فى الطرق و المجالس و
طرد الفقراء عن المجالسة و الموانسة و الغلظة في القول و عدم الرفق بذوى الحاجات و
التطاول على الناس و الانف عن سماع الحقّ و قبوله، كلّ ذلك خوفا من أن يفوته عزّه،
و معلوم أنّ هذه الخصال القبيحة لا محالة تكون سببا للمحاربة للمؤمنين، بل لمحاربة
اللّه سبحانه كما قال في الحديث القدسى: من أهان لى وليّا فقد بارزنى بالمحاربة.
(فاللّه
اللّه في كبر الحميّة و فخر الجاهليّة) أى اتّقوه عزّ و جلّ فيهما، لأنّهما
من صفة الكافر لا المسلم و المؤمن قال تعالى إِذْ جَعَلَ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ.
و قال أبو
عبد اللّه 7 في رواية الكافي: إذا خلق اللّه العبد في أصل الخلقة كافرا
لم يمت حتى يحبّب اللّه إليه الشّر فيقرب منه، فابتلاه بالكبر و الجبريّة، فقسا
قلبه، و ساء خلقه، و غلظ وجهه، و ظهر وخشه[1]،
و قلّ حياؤه، و كشف اللّه ستره و ركب المحارم فلم ينزع عنها، ثمّ ركب معاصى اللّه،
و أبغض طاعته، و وثب على النّاس لا يشبع من الخصومات، فاسألوا اللّه العافية و
اطلبوها منه.
و من ذلك ظهر
حسن ما علّل التوقّى من الكبر و الفخر به و هو قوله (فانّه) أى كلّ من
الكبر و الفخر (ملاقح الشنان) أى سبب توليد البغض و العداوة كما أنّ الفحول
سبب توليد النتاج، و التعبير بصيغة الجمع بملاحظة تكثّر أقسام الكبر و تعدّد
أنواعه باعتبار ما به التكبّر من العلم و الثروة و المال و كثرة العشيرة و حسن
الصوت و الجمال و غيرها مما هو منشا الكبر و التفاخر (و منافخ الشيطان) أى نفخاته و
نفثاته كما قال في الفصل السّابق: و انما تلك الحميّة تكون في المسلم من خطرات
الشيطان و نفثاته، و قال أيضا: و نفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر.