و لما قصّ قصة إبليس أمر المخاطبين
بالنظر فيما آل اليه أمره و أثمره كبره ليحذروا من اقتفاء أثره، و يجتنبوا من سلوك
سننه فقال:
(ألا ترون
كيف صغره اللّه بتكبره و وضعه بترفعه) و تجبّره (فجعله في
الدّنيا) مذموما (مدحورا) و قال فَاخْرُجْ مِنْها
فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (و أعدّ) اللّه (له في
الاخرة سعيرا) و قال لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ
مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ثمّ نبّه على نكتة خلقة آدم 7 من الطين بقوله (و لو
أراد اللّه سبحانه أن يخلق آدم 7 من نور يخطف الأبصار) أى يسلبها و
يأخذها (ضياؤه و يبهر العقول رواؤه) أى يغلبها حسن
منظره (و طيب يأخذ الأنفاس عرفه) أى ريحه و عطره (لفعل) لأنه أمر
ممكن مقدور و هو سبحانه على كلّ شيء قدير (و لو فعل) ذلك (لظلّت
الأعناق خاضعة له و لخفت البلوى فيه على الملائكة) يعنى أنه سبحانه لو
أراد أن يخلق آدم في بدء خلقته من نور باهر يخطف سنا برقه بالأبصار لكان مقدورا له
سبحانه، و لو خلقه كذلك لصارت أعناق الملائكة و ابليس خاضعة منقادة له، و يسهل
عليهم الامتحان في سجود آدم 7 و لم يشق عليهم تحمل ذلك التكليف، و لساغ
لهم السجود له و طاب أنفسهم به لما رأوا من شرف جوهره و علوّ مقامه و فضل خلقته،
لأنّ الشريف جليل القدر إنما يأبى و يستنكف من الخشوع و الخضوع لمن هو دونه، و
لذلك قال ابليس اللعين خلقتني من نار و خلقته من طين، و أما من كان أصله مناسبا
لأصله و مقارنا له في الشرف أو أعلى رتبة منه فلا، و خفّ حينئذ البلوى.
(و لكن
اللّه سبحانه) لم يرد ذلك و لم يتعلّق مشيّته بخلقه من نور وصفه كيت كيت، و إنما
خلقه من طين و صلصال من حماء مسنون ليصعب تحمّل التكليف سجوده و يثقل حمله،
فيتميّز بذلك المحسن من المسىء و المطيع من العاصى، و يستحقّ المطيع له على ثقله
مزيد الزلفى و الثواب لكون اطاعته عن محض الخلوص و التعبّد و التسليم و الانقياد،
و يستحقّ العاصى لأليم العقاب لأجل كشف عصيانه عن كونه